تصديقا في القلب والعمل ، سائلين عن ذنوبهم ، هل لهم منها توبة ، فقل لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي أمان من الله لكم من ذنوبكم أن يعاقبكم عليها بعد التوبة ، وأكرمهم بتبليغ سلام الله إليهم ، أو ابدأهم بالسّلام إكراما لهم وتطييبا لقلوبهم ، وبشّرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم.
ولهذا ذكر الله علّة ما سبق ، فقال : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي أوجبها على نفسه الكريمة ، تفضّلا منه وإحسانا وامتنانا.
وقد جمعت في تفسير الآية : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) بين السّببين اللذين ذكرا في سبب نزولها كما تقدّم ، قال بعضهم : نزلت في قوم أقدموا على ذنوب ، ثم جاءوه صلىاللهعليهوسلم مظهرين للندامة والأسف ، فنزلت هذه الآية فيهم.
وقال بعضهم : نزلت في أهل الصّفّة الذين سأل المشركون الرّسول صلىاللهعليهوسلم طردهم وإبعادهم ، فأكرمهم الله بهذا الإكرام.
قال الرّازي : والأقرب من هذه الأقاويل أن تحمل هذه الآية على عمومها ، فكلّ من آمن بالله ، دخل تحت هذا التّشريف (١).
ثم أبان الله تعالى طريق قبول التوبة فقال : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً) أي إنه من ارتكب منكم ذنبا أو خطيئة بجهالة كغضب شديد أو شهوة جامحة أو سفه وخفة غير مقدر سوء العاقبة أو من غير قصد ، ثم تاب مخلصا لله في توبته ، ورجع عن ذلك الذّنب وندم ، وأصرّ على عدم العودة إليه في المستقبل ، وأصلح عمله ، وأتبع السّيئة بالحسنة لمحو أثرها ، فشأنه تعالى في معاملته أنه يغفر له ذنبه ، لأنه واسع المغفرة والرّحمة. ونظير الآية قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ، ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) [النساء ٤ / ١٧]. قال بعض
__________________
(١) تفسير الرّازي : ١٣ / ٢