لانتشار الأمن والطمأنينة على الأنفس والأموال ، ولا يظنن أحد أن هذه البلاد ملأى بالمشوهين ومقطوعي الأيدي والأرجل ، وإنما تطبيق الحدود نادر تقريبا ، لأنه لا يطبق حد إلا إذا توافرت شروط كثيرة ، تتجاوز العشرة ، مما أدى إلى تضييق الحد بسبب الشبهة وانتفاء شرط من الشروط أو الضوابط ، ولا تقطع أكثر من يد أو يدين في بلاد سكانها نحو عشرة ملايين. ففي السرقة مثلا لا يجب القطع إلا بجمع أوصاف في السارق ، وفي الشيء المسروق ، وفي الموضع المسروق منه ، وفي صفته.
أما ما يعتبر في السارق فخمسة أوصاف : وهي البلوغ والعقل ، وأن يكون غير مالك للمسروق منه ، وألا يكون له عليه ولاية ، فلا قطع بين السيد والعبد بأخذ أحدهما مال الآخر.
والسرقة من السارق توجب القطع عند المالكية ، كالسرقة من الغاصب ؛ لأنّ حرمة المالك باقية عليه لم تنقطع عنه. وقال الشافعي : لا يقطع ؛ لأنه سرق من غير مالك ومن غير حرز.
وأما ما يعتبر في الشيء المسروق فأربعة أوصاف : وهي النصاب كما تقدم بيانه ، وأن يكون مما يتموّل ويتملك ويحل بيعه. أما ما لا يتمول ولا يحل بيعه كالخمر والخنزير فلا يقطع أحد بسرقته باتفاق حاشا الحر الصغير عند الإمام مالك وابن القاسم. وقيل : لا قطع بسرقته ، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ؛ لأنه ليس بمال. ورد المالكية : هو من أعظم المال ؛ ولم يقطع السارق في المال لعينه ، وإنما قطع لتعلق النفوس به ، وتعلقها بالحر أكثر من تعلقها بالعبد.
وإن كان مما يجوز تملكه ولا يجوز بيعه كالكلب المأذون في اتخاذه ولحوم الضحايا ، فقال أشهب : يقطع سارق المأذون في اتخاذه ، وكذا سارق لحم