بقصد الحصار
الاقتصادي ، وتعويض المسلمين ما صادره لهم القرشيون في مكة من أموال وعقارات
وممتلكات. وقد عزّ على المكيين هذا الحادث ، وأحسوا بالخطر على وجودهم ، وشعروا
بقوة المؤمنين في المدينة ، وملأ الحقد والعزة بالإثم صدورهم. فحشدوا قواهم من
قبائل العرب ، ولم يتخلف من قريش إلا القليل النادر ، وكان عددهم ألفا وزيادة ، فيهم
الفرسان والأبطال وصناديد قريش.
فلما سمع بهم رسول
الله صلىاللهعليهوسلم استشار أصحابه ، ثم خرج إليهم مسرعا في ثلاثمائة وثلاثة
عشر رجلا ، لم يكن معهم إلا فرسان وسبعون بعيرا ، والباقون مشاة ليس معهم من العدد
ما يحتاجون إليه.
وتقابل الجيشان في
بدر : وهي بئر بين مكة والمدينة ، كانت لرجل يسمى بدرا ، فسمي به الموضع ، والأكثر
على أنه ماء هنالك ، وبه سمي الموضع. وانجلت المعركة عن نصر مؤزر للمسلمين ،
وكارثة كبري على المشركين ، وكانت معركة حاسمة قررت مصير الفريقين ، وأحدثت دويا
هائلا بين العرب ، فسماها الله تعالى (يَوْمَ الْفُرْقانِ) فقال : (إِنْ كُنْتُمْ
آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ ، يَوْمَ
الْتَقَى الْجَمْعانِ) [الأنفال ٨ / ٤١].
فيها انتصرت الفئة
المؤمنة القليلة على الفئة الكثيرة : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) وأمد الله تعالى فيها المؤمنين بالملائكة يقاتلون مع
المسلمين ، وظهر فيها مدى ثبات المسلمين وجرأتهم النادرة ، واشترك فيها النبي صلىاللهعليهوسلم وقاتل ـ وكان اشتراكه في تسع غزوات ـ وبرز فيها عنصر
الإيمان والعقيدة والتوكل على الله في قلب المعركة وأثناء المشاركة بالسلاح ،
وتمثل ذلك بدعاء النبي صلىاللهعليهوسلم قبيل التحام الصفين فقال :
«اللهم ، إن تهلك
هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض ، اللهم أنجزني ما وعدتني ، اللهم نصرك» ورفع
يديه إلى السماء ، حتى سقط الرداء عن منكبيه ،