وهذا الوعيد لأهل الكتاب يقابل الوعد بالفلاح والنّجاة والفوز لأهل الإيمان ، والاختلاف المنهي إنما هو الاختلاف في أصول الدّين وتحكيم الهوى والمصلحة الشخصية في القضايا العامة. أما الاختلاف في الفروع المذهبية والاجتهادات الجزئية ، كاختلاف المذاهب في كثير من تفاصيل العبادات والمعاملات ، فليس مذموما لتعدد المفاهيم المستوحاة من النّصّ القرآني ، وتعدّد أفعال النّبي صلىاللهعليهوسلم ، وكيفيّة ثبوت الأخبار والرّوايات.
وزمان العذاب للكفار هو يوم القيامة ، يوم تبيضّ وتشرق وتسرّ وجوه المؤمنين كما في آية أخرى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة ٧٥ / ٢٢ ـ ٢٣] وتسودّ وجوه المختلفين الذين لم يتواصوا بالحقّ والصّبر من أهل الكتاب والمنافقين حينما يرون ما أعدّ لهم من العذاب الدّائم ، وذلك مثل قوله تعالى : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ ، تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهافاقِرَةٌ) [القيامة ٧٥ / ٢٤ ـ ٢٥] ، وقوله : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ ، تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) [عبس ٨٠ / ٤٠ ـ ٤١] ، وقوله : (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ، ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ ، كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) [يونس ١٠ / ٢٧].
ثمّ أوضح الله تعالى مصير الفريقين ، فبيّن سوء حال الفريق الثاني ثمّ حال الفريق الأوّل على طريقة اللّف والنّشر المشوش ، أمّا الذين اسودّت وجوههم بسبب تفرّقهم واختلافهم ، فيوبخهم تعالى ويؤنّبهم بقوله : أكفرتم بالرّسول محمد بعد إيمانكم به ، فقد كنتم على علم ببعثته ، ولديكم أوصافه والبشارة به؟ ولكن كفرتم به حسدا وحقدا ، فكان جزاؤكم أن تذوقوا العذاب بكفركم.
وأمّا الذين ابيضّت وجوههم باتّحاد الكلمة وعدم التّفرق في الدّين ، فهم خالدون في رحمة الله ، أي ماكثون في الجنّة أبدا ، لا يبغون عنها حولا.
هذه الآيات : آيات الله وحججه وبيّناته نتلوها عليك يا محمد مقررة ما هو