الدّنيا الفانية ، لا لابتغاء رضوان الله ، وترقية شؤون الأمة ، وهذا المرائي في الواقع لا يؤمن بالله واليوم الآخر إيمانا صحيحا ، حتى يرجو ثوابا أو يخشى عقابا ، ومثله الذي يمنّ ويؤذي السائل.
وصفة عمل كل من المرائي والذي يمنّ ويؤذي كصفة تراب على حجر أملس ، نزل عليه مطر شديد ، فأزال التراب وترك الحجر أملس لا شيء عليه ، أي أنه لا ثمرة ولا بقاء لعمله ، وإنما يضمحل ويتبدد بالظواهر الطارئة ، ويبقى فارغا لا أثر لعمله ، ولا ينتفع بشيء مما فعل لا في الدّنيا ولا في الآخرة ، أما في الدّنيا فلأنّ المنّان بغيض إلى الناس ، والمرائي مذموم منبوذ لدى المجتمع ، وأما في الآخرة فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتغي به وجهه ، والرّياء ومثله المنّ والأذى ينافي الإخلاص ، وهو نوع من الشرك بالله إذ هو الشرك الخفي ؛ فإن صاحبه يقصد به غير الله.
والله لا يهدي القوم الكافرين لما فيه خيرهم ورشادهم ما داموا على الكفر ، أو لا يهديهم في أعمالهم وهم على الكفر (١) ، وأما الإيمان فهو الذي يهدي صاحبه إلى الإخلاص والخير وابتغاء وجه الله ، والتأدّب بالإنفاق بما أدّب الله به أهل الإيمان. وهذا يشير إلى أنّ كلّا من الرياء والمنّ من صفات الكافرين لا من صفات المؤمنين.
فقه الحياة أو الأحكام :
١ ـ تضمنت الآية بيان مثال لشرف النفقة في سبيل الله ، والتحريض والحثّ على الإنفاق في سبيل الله ، إما عن طريق حذف مضاف تقديره : مثل نفقة الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة ، وإما بطريق آخر : مثل الذين
__________________
(١) البحر المحيط : ٢ / ٣١٠