لا يمتنون ولا يؤذون من أحسنوا إليهم لهم ثواب كامل لا يقدر قدره ، ولا خوف عليهم حين يخاف الناس ، ولا هم يحزنون حين يحزن الناس البخلاء الذين لا ينفقون شيئا في سبيل الله ، فيندمون ، كما قال تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، فَيَقُولَ : رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ، فَأَصَّدَّقَ ، وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون ٦٣ / ١٠].
والكلام الحسن ، والرّد الجميل على السائل وعدم الصدقة ، وستر ما يقع منه من إلحاف في السؤال وغيره ، خير للسائل والمسؤول من صدقة يتبعها أذى وضرر ؛ إذ الصدقة شرعت للأخذ بيد الضعيف ، وتخفيف حدّة الحسد والحقد على الأغنياء ، ولتحصين مال الغني من السرقة والنهب والضياع ؛ والمنّ والأذى يخرجها عن هذه الغاية السامية التي شرعت لها ، والله غني عن صدقة عباده ، فيستطيع أن يرزق الجميع ، حليم لا يعجل بعقوبة المسيء ، كمن يمنّ أو يؤذي ، ولكنها الحكمة البالغة التي مدارها الابتلاء والاختبار ، ومعرفة من يجاهد نفسه الشحيحة ، فيحملها على البذل وتنفيذ التكاليف الإلهية عن رضا وطيب خاطر ، وقد شرع الله الصدقة سبيلا لكسب المودّة ، وجلب المحبّة ، وتأكيد الصلة والتعاطف والتعاون بين الجميع.
ومن أجل استئصال طبيعة المنّ والأذى في نفوس الناس ، أكّد سبحانه ما أخبر به من صفات المستحقين للثواب العظيم وهو عدم إتباع صدقاتهم بالمنّ والأذى ، وأن الأذى من شوائب الصدقة المكروه الذي يسقط الأجر والثواب ، أكّد ذلك بخطاب المؤمنين بصفة الإيمان التي تدعو إلى التقيّد بالأمر الإلهي ، فنهاهم وحرم عليهم المنّ والأذى ؛ لأن صفاء الصدقة وجعلها خالصة لله أدعى لقبولها واستحقاق ثوابها.
ولأن من يتبع صدقته بمنّ أو أذى يشبه حال من ينفق ماله رياء وسمعة ، لأجل أن يحمده الناس ، وليقال عنه : إنه كريم جواد ، ونحو ذلك من مقاصد