وكانت الآيات السابقة تذكيرا لبني إسرائيل الذين كانوا في عصر موسى عليهالسلام بأهم الأوامر التي أمروا بها من عبادة الله وحده والإحسان إلى الوالدين وذوي القربى وغير ذلك ، أما هذه الآيات فكانت للتذكير بأهم المنهيات التي خطرت عليهم ، والخطاب للحاضرين في عصر النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو دليل على تضامن الأمة ، وأنها كالفرد يصيب خلفها أثر ما كان عليه سلفها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
التفسير والبيان :
واذكر يا محمد لليهود وقت أخذنا عليهم في التوراة العهد بأن لا يقتل بعضهم بعضا ، ولا يخرج بعضهم بعضا من دياره ووطنه. وفي تعبير «دماءكم ، وأنفسكم ، ودياركم» إشارة إلى أن دم غيره من المجتمع كدم نفسه ، فمن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ، وهو ما تقرره الآية (٣٢) من سورة المائدة.
ثم أقررتم أيها اليهود المعاصرون بالميثاق الذي أخذ على أسلافكم ، ولم تنكروه ، فالحجة قائمة عليكم.
ثم أنتم بعد الاعتراف بالميثاق تنقضون العهد ، فيقتل بعضكم بعضا ، كما كان يفعل من قبلكم ، فكانت بنو قينقاع أعداء بني قريظة ، وكان يهود بني قريظة حلفاء الأوس يقاتلون يهود بني النضير حلفاء الخزرج ، إذا تقاتل الأوس والخزرج ، وكان مقتضى الاتفاق في الدين واللغة والنسب بين اليهود أن يكونوا جميعا صفا واحدا.
وكذلك كان كل من اليهود يعاون حلفاءه على إخوانه اليهود بالإثم كالقتل والسلب والنهب ، والعدوان كالإخراج من الديار. وكانوا إذا تم الاتفاق على مفاداة الأسرى ، يفدي بالمال كل فريق من اليهود أبناء جنسه ، عملا بالكتاب