المقدس ، مع أن السبب الذي أدى إلى الأسر وهو الطرد والإجلاء محرم عليكم في التوراة كتحريم القتل ، فكيف تؤمنون ببعض الكتاب وتمتثلون حكم مفاداة الأسرى ، وتكفرون بالأحكام الأخرى ، فترتكبون جرائم القتل والإخراج والتعاون بالإثم والاعتداء ، علما بأن الإيمان بشيء لا يتجزأ ، والكفر ببعضه كالكفر بكله؟
فمن آمن ببعض التوراة ، وكفر ببعضها الآخر ، ليس له جزاء على هذا الفعل المتناقض المستهجن إلا ذل وهوان في الدنيا ، وعذاب أليم دائم في الآخرة ، وما الله بغافل عن عمل إنسان ، فهو يجازيه على سيئاته.
ثم قررت الآيات حكما عاما لأولئك اليهود وغيرهم : وهو أن من آثروا الحياة الدنيا كالزعامة الفارغة وأخذ المال ، على الآخرة وما فيها من نعيم مقيم ، فهم باعوا آخرتهم بدنياهم بتقديم حظوظهم العاجلة الفانية على حظوظهم الدائمة الخالدة ، وبترك أوامر الله في كتابه ، فلا يخفف عنهم العذاب الأخروي ، ولا يفتر عنهم ساعة واحدة ، ولا هم ينصرون في الدنيا والآخرة ، فلا شافع يشفع بهم ، ولا ولي يدفع عنهم العقاب في جهنم ، لأن خطاياهم كثيرة ، أحاطت بهم ، فحجبتهم عن الرحمة الإلهية ، وأبعدتهم عن الفيض الإلهي.
وهكذا كل أمة ذات دين ، تؤدي بعض أحكامه كالصلاة والصوم والحج ، وتخالف أحكامه الأخرى ، فلم تؤد الزكاة وامتنع الأغنياء عن أداء حقوق الفقراء ، وشاع فيها الربا والزنا والسرقة والرشوة والبغي والظلم ، وأهملت الأسس التي يقوم عليها بنيان النظام الحكومي من العدل ، والمساواة ، والشورى ، والجهاد في سبيل الله ونصرة المؤمنين المستضعفين ، فإنها معرّضة للخزي (الهوان) في الدنيا ، والعذاب في نار جهنم في الآخرة.