لا حظناه بعد طبعه رأينا أنّه رحمهالله أجاب عن الشقّ الأوّل ، أي : حدسيّة التّوثيقات دون الشقّ الثّاني الّذي هو العمدة عندي ، وكنت أسأله عنه مرارا. (١)
وأيضا هو لم يقدر على إثبات كون جميع التّوثيقات حسيّا ، بل أثبت أنّ الكثير منها حسي والجميع ليس بحدسي ، وهذا المقدار مقطوع به بملاحظة كتب الرجال لكنّه غير كاف ، كما علمت.
وقد عرضت هذا السّؤال على جماعة من علماء العصر كالسّيد الأستاذ الحكيم رحمهالله والشّيخ الحلّي (في المشهد العلوي) والسّيد الميلاني (في المشهد الرضوي) والسّيد الخميني في النجف وغيرهم رحمهمالله جميعا ، وكجملة من علماء بلدة قم ، فلم يأت أحد بشيء يقنعني.
ثمّ لا شكّ في عدم استناد التوثيقات الموجودة كلّها إلى الحدس ، بل من المظنون القوي استناد أكثرها إلى النقل ؛ ولذا قال الشّيخ الطوسي قدسسره في أوّل فهرسته : فإذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الاصول ، فلا بدّ أن أشير إلى ما قيل فيه من التّعديل والتّجريح. (٢) وقال في كتاب العدّة في آخر فصل في ذكر خبر الواحد : إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الإخبار ، فوثّقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء ، وفرقّت بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين من لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم وذمّوا المذموم ... وصنّفوا في ذلك الكتب ... (٣).
ظاهر هذه العبارة إنّ التّوثيقات والتجريحات كلّها منقولة عن سابق عن سابق.
وفي رجال النجّاشي في أوّل الجزء الثّاني (٤) : من كتاب فهرست أسماء مصنّفي الشيعة : وما أدركنا من مصنّفاتهم ، وذكر طرف من كنّاهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم ، وما قيل في كلّ رجل منهم من مدح أو ذمّ ممّا جمعه الشّيخ الجليل أبو الحسين أحمد بن علي بن العبّاس النجّاشي الأسدي ، أطال الله بقاه وأدام علوه ونعماه ، انتهى. (٥)
__________________
(١) انظر كلامه في : معجم رجال الحديث : ١ / ٥٥ و ٥٦ ، والصفحة : ٤١ من الطّبعة الخامسة.
(٢) لكنّه رحمهالله لم يف بوعده حتّى في أوّل كتابه ، وهذا منه عجيب.
(٣) عدّة الاصول : ١ / ٣٦٦ ، المطبوعة في مطبعة سيّد الشّهداء بقم.
(٤) رجال النجاشي : ١ / ١٥٧.
(٥) جملة وما أدركنا وإن كانت تؤيد كون هذه الجملات من النجّاشي نفسه ، لكن الدعاء في الذيل يدلّ على أنّ الكلام من غيره ، فلم يثبت أنّه قوله ، لكن الدعاء المذكور قد ذكر في ترجمته أيضا ـ رجال النجاشي : ٧٩ ـ فلا يبعد كونه منه ، وقد قيل إنّ القدماء كانوا يدعون لأنفسهم بهذه العبارات ؛ وأمّا مدلوله ، فهو كمدلول كلام الشّيخ.