وكقول اللغوي : إنّ اللفظة الفلانيّة معناها كذا إذا وردت في خبر متضمّن لحكم كلّي.
وكقول الرّاوي : بعد قول الإمام : إنّه يجب في هذا اليوم كذا : وكان اليوم يوم الجمعة.
وكقوله : إنّ الإمام قال كذا وكذا ، وكان السّائل رجلا أو امرأة ، وإن الإمام صلّي في مكان وقال إنّ الصلاة فيها واجبة أو ذات ثواب ، ثمّ يقول الرّاوي ، وكان المكان مسجد الكوفة مثلا.
وأمثال ذلك فإنّه لا شكّ لأحد في اعتبار قول الرّاوي ، وإن كان في موضوع خارجي.
فالقسم الأوّل : بناء على الرّدع ـ لا يثبت بخبر الثّقة وهو واضح.
وأمّا القسم الثّاني ، فلا مانع من شمول أدلّة حجيّة الخبر في الأحكام لها ، فإنّ الإخبار عنها إخبار عن الأحكام الكليّة الشّرعيّة حتّى بناء على الرّدع المذكور.
ومنه انقدح إثبات الاجتهاد ، بل سائر شرائط المجتهد كالعدالة وغيرها بخبر الثّقة ، فإنّها موضوعات للأحكام الكليّة الشّرعيّة للمقلّد ، نعم ، مقتضى القاعدة عدم جواز الاقتداء بمثل هذا المجتهد ، فإنّ عدالته الثابتة بخبر الثّقة إنّما هي كافية للتقليد والعمل بفتاويه ، لا للاقتداء به في الصّلاة. وقبول شهادته في المرافعات ، مثلا فإنّهما من الأحكام الجزئيّة الّتي لا بدّ من إقامة البيّنة عليهما بناء على هذا القول ، فكما يقبل قول الرّاوي ، بعد نقل الحكم.
وقول الإمام : إنّ اليوم كان جمعة ، مثلا أو كان السّائل رجلا وهكذا غيره ممّا يتغيّر الأحكام الكلّيّة به ، كذا يقبل في كلّ موضوع خارجي يترتّب عليه حكم كلّي كالاجتهاد والوثاقة والضعف دون الأعلميّة فإنّها حدسيّة محضة.
فإنّ قلت : فعلى هذا يجب قبول قول اللغوي أيضا فإنّه يترتّب عليه حكم كلّي ولا فرق بين قوله وقول الرّجالي ونحوه.
قلت : نعم ، نلتزم به إلّا أنّ يمنع منه بأنّ قول اللغوي حدسي غير حسّي كالأعلميّة ، لكن أجاب عند سيّدنا الأستاذ الحكيم قدسسره في حقايق الاصول بأنّ الحدس القريب من الحسّ لا بأس بالاعتماد عليه ؛ ولذا بنوا على قبول الخبر المنقول بالمعنى مع أنّه ممّا نحن فيه. انتهى. ويمكن الخدش في الاستشهاد المذكور بأنّ البناء المزبور لدليل خاصّ ، لا لما ذكره كما لا يخفى. (١)
__________________
(١) إلّا أن يقال : إنّ عمل اللغوي هو نقل المعاني المستعملة فيها الالفاظ ، فهو يجمع ما يجده من المعاني الّتي يريدها أهل المحاورة والاستعمال ، سواء كانت حقيقيّة أو مجازيّة ، وينقلها إلينا وهذا أمر حسّي لا يحتاج إلى خبرويّة وإعمال حدس ، نعم ، هو من أهل الخبرة بالنظر إلى موارد الاستعمالات فقط لا في بيان المعاني الموضوعة لها الألفاظ.