فأرادوا أن يفرقوا بين التنوين والنون".
قال أبو سعيد : اعلم أن العرب لا تقف على تنوين ، لأنه زائد دخل للفرق بين ما ينصرف وما لا ينصرف ، وهو كالإعراب لأنه يتبع الإعراب ولأنه لا يوقف على الإعراب كما لا يوقف عليه ، ومع أنهم أرادوا الفرق بين النون الأصلية وما جرى مجرى الأصلية وبين هذا التنوين في الوقف فأما الأصلية فنحو حسن ، وما جرى مجرى الأصلية فنحو رعشن وخلبن ، فلو قالوا زيدا لأشبه رعشن في الوقف ، ويقلبون من التنوين إذا كان بعد فتحة النصب ألفا في الوقف ، فيقولون رأيت زيدا ، وعلى هذا كل العرب إلا ما حكى الأخفش عن قوم منهم أنهم يقولون : رأيت زيد بلا ألف.
قال أبو العباس محمد بن زيد : من قال رأيت زيد بغير ألف يلزمه أن يقول في جمل جمل ، يريد أنه إذا وقف على المنصوب بلا ألف فأجراه مجرى المخفوض والمرفوع ، وسوى بين ذلك لزمه أن يسوي بين الفتح والضم والكسر ، فيخفف الفتحة في جمل كما يخفف الضمة في عضد ، فيقول : عضد والكسرة في فخذ فيقول : فخذ وإنما أبدل من التنوين ألفا إذا كان قبلها فتحة النصب ، لأن الألف والفتحة خفيفتان ، وقد بين ذلك وتبين بما يزيدك إيضاحا إن شاء الله.
قال : " ومثل هذا في الاختلاف الحرف الذي فيه هاء التأنيث ، فعلامة التأنيث إذا وصلته التاء ، وإذا وقفت ألحقت الهاء ، أرادوا أن يفرقوا بين هذه التاء والتاء التي من نفس الحرف من نحو تاء ألقت وما هو بمنزلة ما هو من نفس الحرف نحو تاء سنبته وتاء عفريت ؛ لأنهم أرادوا أن يلحقوهما ببناء قحطبة وقنديل ، وكذلك التاء في بنت وأخت ، لأن الاسمين ألحقا بالتاء ببناء عمر وعدل.
قال أبو سعيد : يريد أنهم فصلوا في الوقف بين النون الأصلية والملحقة بالأصلية في حسن ورعشن وبين التنوين في زيد وعمرو ، كما فصلوا بين علامة التأنيث التي هي التاء وبين ما التاء فيه أصلية أو ملحقة بالأصلية ، فقالوا في علامة التأنيث : هذه تمرة وطلحة وما أشبه ذلك ، ووقفوا عليها بالهاء ، فإذا وصلوا قالوا : تمرتك وطلحتك وقالوا في الأصلية : قت في الوقف وقتّ في الوصل ، فهي تاء في الحالين والملحق به التاء في سنبت وتاء عفريت والتاء في بنت وأخت.
قال أبو سعيد : وفي كلام سيبويه سهو لأنه مثل بتاء سنبته ولا يقع عليها وقف وإنما ينبغي أن تكون تاء سنبت أو ما أشبهه مما يوقف على التاء فيه.