الوداعية ، ويعود ادراجه راجعاً فتلحق به زوجته ، وهي من هولة من هذا المنظر الموحش فتقول له :
إلى أين تذهب ، ولمن تتركنا في هذا الوادي المقفر ؟ .
وتمزق اللوعة قلب الأب الوقور فبماذا يجيب ؟ وبأي شيء يعتذر ؟ ولكنه مأمور بذلك من ربه ، ولا بد له من إكمال الشوط فلا يجيبها ، بل يستمر في السير .
وتعود هاجر الى الراكب لتتعلق بأذياله وهي تقول :
« الله أمرك بهذا » .
ويجد ابراهيم المخرج الذي ينقذه من الحيرة فيقول :
« نعم » .
وعندها تلملم المرأة المؤمنة أطرافها وهي تقول :
« إذن لا يضيعنا الله » .
ثم رجعت الى حيث تركت طفلها لتستسلم الى قضاء الله وقدره ، وتتعاقب نظرات ابراهيم يلقيها على هذه الأسرة الصغيرة وتتلاحق انفاسه ، والاسى يحز في قلبه ، وتنساب الرقة من فمه ، وهو يلقي النظرات الأخيرة على الطفل وأمه ، فيرددها كلمات هادئة :
( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) (١) .
__________________
(١) سورة إبراهيم : آية (٣٧) .