وعرفوا إحاطته بهذا الكون ، وقدرته عليه كل ذلك وجدوه في أنفسهم ، فأحبوه ، وهاموا في حبه ، فكانوا مثال الإِخلاص ، والفناء في ذاته المقدسة .
وهذا الإِمام جعفر بن محمد الصادق « عليه السلام » يناجي ربه قائلاً : « إلۤهي كيف أدعوك وقد عصيتك ، وكيف لا ادعوك ، وقد عرفت حبك في قلبي » (١) .
الخوف ، والرجاء يصطرعان في النفس حيث تبدو أثار هذا الصراع واضحة من خلال هذه المناجاة الرقيقة التي تنساب من فم الإِمام هادئة .
الخوف من المعصية يقف حائلاً بين الإِنسان ، وربه فكيف يدعوه بلسان خالفه فيه ؟ .
والرجاء بعفوه ، ورحمته لأَن القلب منطوٍ على حبه ، وهو خير شافع اليه .
ولا بد ان يتغلب بعد هذا الصراع النفسي : عامل الرجاء ، فتبدو اشراقة الأمل تحمل البشرى للداعين والراجين ، واذا بالعبد يندفع يدعو ، ويلح ويريد ، ولا ينفك عن التعلق بربه فقد عرف أنه يريد من ربٍ كريم ، وكيف لا أدعوك ، وقد عرفت حبك في قلبي ؟ » .
هؤلاء هم الذين يعبدون رباً أحبهم ، وأحبوه لا خوفاً من نارٍ ، ولا طمعاً في جنة ، وفي هؤلاء يقول تعالى فيما أوحى الى بعض الصديقين ( إن لي عباداً من عبادي يحبونني ، وأحبهم ، ويشتاقون
__________________
(١) أمالي الصدوق : ص (٣٠٩) المجلس السابع والخمسون / المطبعة الحيدرية / النجف الأشرف .