في الدعاء « فلئن صيرتني للعقوبات » ومن كلمة ( هب ) وهي : من أفعال القلوب تلازم الأمر دائماً ، وهي بمعنى ( ظنني ) أو ( إعتبرني ) والمعنى الذي يريده الداعي في هذا التفريع هو : الخطاب مع ربه ، والقول : بانك يا ربي ، وإلۤهي لئن فعلت بي ما كنت مستحقاً له من الجزاء حيث صيرتني للعقوبات مع أعدائك ، وفرقت بيني وبين أحبابك ، ومن كانوا الصفوة لك . فهبني يا إلۤهي تحملت وصبرت على هذا العذاب ، ولكن من الذي يصبرني على فراقك ، والبعد عنك ، وهذا ما سأبقى أكابد آلامه النفسية ، والذي هو أشد واعظم مرارة ، ولوعة من العقوبات الجسدية .
وقضية فراق الله ، والذي يتضجر منه الداعي ما هو إلا البعد عنه والحرمان من محبة الله لعبده ، ومحبة العبد لربه .
هذا الحب المتبادل بين العبد وربه ، هو الذي يغذي الروح ، ويعلو بالنفس الى الآفاق السامية لتجد حلاوة الإِيمان تتجسد لها في كل ما تراه في الوجود .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (١) .
يحبهم ، ويحبونه . هذا الحب المتبادل بين الله ، وعباده الذين آمنوا يصور لنا التعلق ، والإِنشداد بين عبيد إطلع الله على ما في ضمائرهم من حبٍ لذاته ، ومعرفة بحقيقته فعرفوا من هو الله ، وعرفوا هباته ، وعطاياه ، وسماحته ، وكرمه ، وعفوه ، وغفرانه .
__________________
(١) سورة المائدة : آية (٥٤) .