« او تبعد من ادنيته »
أدنيته : قربته ، والقرب من الله من الواضح ليس القرب المكاني لاستحالة ذلك لاستلزامه إشغال الحيز له عز وجل ، وهو محال ، بل القرب هو : المعنوي الناشيء من رضا الله ، وعطفه ، وكرمه نحو المخلوق ، وهذه ، وغيرها كلها علامات قرب الإِنسان من ربه ، وعدم انزجاره منه .
وإذا كان الأمر كذلك ، فهيهات يا رب أن تبعد ، وتطرد من بابك من عطفت عليه ، وخصصته منك بالعناية .
« أو تشرد من آويته » .
شرد القوم : أي مزقهم .
وآوى القوم : أنزلهم في المكان وآويت فلاناً في داري أي : أنزلته فيه (١) والمعنى الذي يقصده الداعي من استبعاده من تشريد الله لعبده المذنب بعد إيوائه له هو أن سبوغ نعمه لعبد وتربيته له ، ورعايته له في مراحل الحياة كلها الطاف تنبيء عن ايواء الله لعبده ، وتقريبه منه ، والسخط عليه بتعذيبه ، معناه : طرده من ساحة رحمته ، وإبعاداً له عن مأواه ، وهذا ما يستبعده العبد .
وعلى صعيد المقارنات ، فالتاريخ يحدثنا عن السمات الحميدة التي يتحلى بها الكثير من البشر ، فإنه إذا آوى أحداً ، وقبله تحت لوائه فمن البعيد ان يطرده من قربه . وإذا كان هذا حال المخلوقين فكيف بخالقهم ، والمنعم عليهم ، وولي الإِفضال بالنسبة لهم ؟
__________________
(١) لاحظ أقرب الموارد ، ولسان العرب في مادة ( أوي ) .