فيقول له : كيف تعذبني بنارك بعد أن ظهر لك يا رب صدق اعترافي ، وندمي وتوبتي ، والتي ظهرت على ما مر من دعائي لك ، وتوسلي حال كوني خاضعاً لربوبيتك ؟
فليس هو اعترافاً مع عدم خضوع .
أو خضوع من غير اعتراف .
بل هما معاً : اعتراف بالذنب ، وخضوع له باعتباره ربي ، وخالقي .
وبنهاية هذه الفقرات تنتهي هذه المحاورة ، وفيها قدم الداعي كل ما لديه من حججٍ ، ومستمسكات تدعم موقفه الذي تشبث به لحصول المغفرة والعطف من ربه .
وطبيعة مثل هذه المواقف تقضي بانتظار المذنب لما يصدر عليه من حكمٍ . ولكن الداعي خالف في موقفه هذا جميع الأعراف التي تمليها أصول المحاكمات من تقديم المدعى عليه دفاعه ، وانتظاره لنتائج المحاكمة حيث تتلخص بصدور الحكم عليه ، بل انبرى يتطفل ليصدر الحكم بنفسه ، ولهذا نراه يناجي ربه قائلاً :
« هيهات أنت أكرم من أن تضيع من ربيته » .
وهيهات : كلمة معناها البعد ، وقيل : كلمة تبعيد ، وتضييع من أضاع ، وهو الإِتلاف ، والهلكة ، والإِهمال . والمعنى :
هو استبعاد الداعي ان
يكون الله وهو الموصوف بالكرم أن يهمل من كان مشمولاً لرعايته ، وعطفه من أول لحظة من لحظات حياته والمراد من تربيته هو ما أسداه عليه من النعم ـ كما تقدم ـ في