ذكرناه محفوظاً ، ومراعىً وفق نظام خاص تحوطه العناية وترعاه أدق حاضنة : غذاءً ، ودفئاً وحناناً الى ان يكتمل « حميلاً » لينزل برفق الى هذه الحياة طفلاً سوياً .
كل هذه التطورات تمر على ذهن الداعي فيتصورها ليرى رعاية الله له في بدء خلقه ، وتكوينه فلماذا يتركه ، وهو مخلوقه ، وصنيع قدرته ؟
« وذكري وتربيتي وبري وتغذيتي » .
وهذه من جملة أياديه الكريمة على الإِنسان فبعد أن بدأ خلقه فقد جعله بين المذكورين في هذه الحياة ، وقد كان عدماً ، ومن ذلك العالم المجهول جاء به ليكون إنساناً سميعاً ، وبصيراً يتمتع بهذه الحياة . وليقدم الحياة الدائمة بعد موته ما يجعله قرير العين هانئاً .
( هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) (١) .
إنه لم يكن شيئاً مذكوراً قبل أن يخلق فلماذا جاء به ، ودفعه الى خضم هذه الحياة ، وقد أكملت الآية الكريمة المسيرة بقوله تعالى :
( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (٢) .
ولقد أناطت يد الله بالإِنسان دوره ليؤدي ما عليه حيث هداه السبيل ، ومن ثم يكون إنساناً يستفيد منه الآخرون ، وليقوم بكل ما أنيط اليه من أدوار يكون فيها مراقباً من قبل الله ، فيؤدي رسالته ، وبعد كل هذا ينال جزاءه في ذلك العالم الذي يقدر له البقاء فيه .
__________________
(١) سورة الدهر : آية (١ ـ ٢) .
(٢) سورة الدهر : آية (٣) .