هذه الدنيا غير تائب ، وإنما تاب الله عليه لمصلحة في مثل هذه التوبة . وهل يضيع الله حق شخص حرم نفسه من لذائذ المعاصي ، وخالف شهواته النفسية والجنسية ، وتحمل مشاق العبادة وصبر على الحرمان . وبالأخير يعتبره في الحساب كمن بقي طيلة حياته مخالفاً ، ويتمتع بكل هذه الأشياء ثم يموت غير تائب ؟
ولا بد أن يكون الجواب بعدم ذلك ، بل لا بد من القول بعدم المساوات بينهما لما فرضته الآية الكريمة من التنديد بالقول بالمساوات بين مَن آمن بالله ، وبين من إجترح السيئات سواءً في المحيا ، او في الممات .
أما في الحياة : فان الفرق بين التائب المطيع ، وبين المخالف المعاند واضح ، فالمعاند في الحياة شخص مبغوض ، وبعيد عن رحمة الله وهدايته لمخالفته ، وإستمراره على المخالفة فكيف يقاس بمن أطاع الله بتوبته ، ورجوعه عن الطريق غير المستقيم ؟ .
أما في الممات : فإن حق التائب المطيع محفوظ ولا شك أن له من الدرجات الرفيعة ما لا يحظى به غير التائب .
إن التوبة ، والإِنابة ، والرجوع الى حرم الله سبحانه أمر محبوب بنفسه ، ومقدر عنده لذلك ينال مثل هذا الشخص من الأجر ما لا يعطى لغير التائب .
ولا بد لنا أن نفرق بين العفو عن غير التائب ، وبين القول بمساواته لمن تاب في الأجر ، والمنزلة . ومن يقول بإمكان العفو عن غير التائب لا يقول بمساواته للتائب ، بل على العكس يقول بتفضيل التائب على غير التائب .