« وتجعلني بقسمك راضياً »
والمعاش أمر يتطلع اليه كل فرد في هذا الوجود له ، ولمن يعول به فهو يعمل ، ويجهد نفسه لا يكف دائباً في سبيل الحصول على ما يسد به جوفه . وما دام يتطلع فهو دائماً في نهم مستمر يطلب المزيد ، ولا يرضى بالقليل . ومن كانت هذه حالته ، فهو مسلوب الراحة يحشد طاقاته لتأمين كافة احتياجاته الحياتية . يضاف الى ذلك عامل التعاون في الرزق فان مشيئة الله في خلقه لم تقتض ان يتساوى الكل من حيث المعاش ، بل لا بد من التفاوت ، والتفضيل .
( وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ) (١) .
وهذه حقيقة ثابتة لها أسبابها الخاصة . ولسنا في صدد بيان وبحث الأسباب الموجبة لهذا التفضيل ، ومناقشة ما يرد على ذلك من الشبهات ، فإن القرآن الكريم قد تصدى لبيان بعض الدواعي لذلك في الآية الكريمة : ( لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ) بعد قوله : ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ) (٢) .
فلهذا التسخير حكمته ، وآثاره في صلاح ، وضبط أفراد المجتمع لا مجال لنا للخوض فيه . فليس في منع الله عبث ، بل هو نظام كوني دقيق يسير وفقاً لمصالح يعود نفعها الى البشر في جميع الأدوار ، والمراحل التي يمر بها الإِنسان من حين ولادته الى أن يودع هذه الدنيا ،
__________________
(١) سورة النحل : آية (٧١) .
(٢) سورة الزخرف : آية (٣٢) .