الأنبياء قبله كان إذا كذب أهلك الله من كذّبه إلى غير ذلك من الوجوه التي لا تكاد تحصى كثرة.
فان قلت : كيف كان رحمة وقد جاء بالسيف وإستباحة الأموال؟ حتّى قال في حديث آخر : «أنا نبيّ الملحمة» (١) أي القتال.
قلت : إنّما جاء بالسيف لمن جحد وعاند وأراد خفض كلمة الله ولم يتفكّر ولم يتدبّر ، ألا ترى إنّه كان عليه السلام لا يبدأ أحداً بقتال حتّى يدعوه إلى الله وينذره ، ومن أسماء الله تعالى الرحمن الرحيم ، ثمّ هو المنتقم من العصاة فلا شكّ إنّه عليه السلام كان رحمة لجميع الخلق ، للمؤمنين بالهداية وغيرها ، وللمنافقين بالأمان ، وللكافرين بتأخير العذاب ، فذاته عليه السلام رحمة تعمّ المؤمن والكافر.
وروي إنّه صلى الله عليه واله قال لجبرئيل لما نزل عليه بقوله تعالى : «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» (٢) : هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟ قال : نعم كنت أخشى سوء العاقبة فأمنت إن شاء الله بقوله تعالى : «ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ» (٣) (٤).
قوله عليه السلام : «وقائد الخير» قاد الدابة قوداً ، من باب ـ قال ـ ، وقياداً : إذا تقدّمها آخذاً بقيادها وهو خلاف السَوق ، ومنه : قائد الجيش لأميرهم كأنّه يقودهم ، وجمعه : قادة وقوّاد. وقد يقال للدليل أيضاً : قائد بهذا الإعتبار.
__________________
١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ج ٤ ، ص ٣٩٥ و٤٠٤.
٢ ـ الأنبياء : ١٠٧.
٣ ـ التكوير : ٢٠ ـ ٢١.
٤ ـ مجمع البيان : ج ٧ ـ٨ ، ص ٦٧ ، مع اختلاف يسير في العبارة.