الخشوع ، كثير الصلاة والصّوم يلبَس الخشِنَ من الثياب ، وكان بارعاً في العلم وتعليمه ، مدُيماً للمطالعة والفكر ، وكان من أحفظ الناس.
حدثني شيخي ابن شهر آشوب المازندراني ، حدثني جماعة ممَّنْ لقيت : أنّ الشيخ المفيد ما ترك كتاباً للمخالفين إلاّ وحفظه وباحث فيه ، وبهذا قدر على حلّ شبه القوم.
وكان يقول لتلامذته : لا تضجروا من العلم ، فإنّه ما تعسَّر إلا وهان ، ولا تأبَّى إلاّ ولان. وقد قصدَ الشيخَ من الحشوية ، والجبرية ، والقدرية فأذلّ له حتّى أخذَ منه المسألة أو أسمَع منه.
وقال آخر : كان المفيد من أحرص الناس على التعليم ، وإن كان ليدور على المكاتب وحوانيت الحاكة فيلمح [فيتَلمَّح ـ سير] الصّبيَّ الفطن ، فيذهب إلى أبيه أو اُمّه ، حتّى يستأجره ثم يعلّمه [يعني : فيُضِلّه ـ سير] ، وبذلك كثر تلامذته.
وقال غيره : كان المفيد ذا منزلة عظيمة من السُّلْطان ، ربّما زاره عضد الدولة ، وكان يقضي حوائجه ، ويقول له : اشفَعْ تُشَفَّعْ.
وكان يقوم لتلامذته بكلّ ما يحتاجونه إليه.
وكان الشيخ المفيد ربعةً ، نحيفاً اسمر. وما استغلق عليه جوابُ معاند إلاّ فزع إلى الصّلاة ، ثم يسأل الله فيُيَسِّرُ له الجوابَ ... (٣٢١).
٢٩ ـ المفيد المتكلّم والمناظر
عاش الشيخ المفيد في عصر احتفل بشتى المذاهب والفرق ، الكلامية منها والفقهية ، ، وفي بيئة جمعت مختلف العلماء والمفكِّرين ، وكانت حرية البحث والنظر واصطراع الفكر والرأي لا تزال قائمة لم يقتلها تغلّب مذهب معين
__________________
(٣٢١) تاريخ الاسلام (احداث ٤١٣ هـ) سير أعلام النبلاء ، ١٧ / ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، وحذف منها وصيته لتلامذته وقصده الحشوية واخوانهم ، وقيامه بحاجة تلامذته ، ولجوؤه إلى الله سبحانه! ولا حاجة بنا إلى التعليق.