لا ينكره لأنّ معتزلة بغداد ومنهم استاذه الرماني قد انكرها وعارضها ، وإنّما لأنّ الكلام الإمامي لا يقبل بها ، وفيما أشرت من الأمثلة لا نجد ولا مثالاً واحداً انفرد فيه المفيد عن إخوانه الإمامية فتبع المعتزلة وخالفهم وفي هذا وحده الدليل الكافي والمقنع في أنّ الإمامية كان لهم رأي مستقل ، وان تعليل موافقة معتزلة بغداد لهم ، التعليل الصحيح إنما هو إنهم تأثروا بالإمامية ، ولهذا انفصلوا عن إخوانهم البصريين.
وذكر في الثلاثة اشياء التي لا تعقل : أحوال «الهشمية» وإنّ القول بالاحوال يتضمّن من فحش الخطأ والتناقض ما لا يخفى على ذي حجا ـ ثم فصل ذلك (٣١٥) ـ.
ومن المُرَجَّح أن يكون الذي أشار عليه بالحضور عند الرماني هو شيخه أبو ياسر لا البصري ، ولكنّه لم يكن هو الّذي تحوّل منه إلى الرماني ، والصورة التي نراها تعكس الواقع بدقّة هي أن المفيد بعد أن حضر عند متكلّمَيْن إماميَّيْن ، حضر عند البصري ، فلم يُرْضه فاستشار استَاذَه أبا ياسر فأشار عليه بالحضور عند الرماني ، فيكون الذي عَميَ من الجواب البصري ، والذي أشار أبو ياسر.
ولا بدّ لنا من وقفة اُخرى عند الرماني ـ وإن طال بنا الوقوف ـ :
إنّ علي بن عيسى ، أبا الحسن الرمّاني ، البغدادي (٢٩٦ / ٩٠٩ ـ ٣٨٤ / ٩٩٤) كان من أعلام المعتزلة في عصره مُغَنّنا في علوم كثيرة من الفقه ، والقرآن ، والنحو ، واللغة ، والأدب ، والمنطق ، والكلام ، كثير التصنيف في عامّة العلوم التي كان يعرفها. وقد امتد به عمره إلى ما يقرب من تسعين سنة.
وقد عُرف عنه الثبات في الرأي والمذهب والصمود أمام النوازع الفكرية والزعازع المذهبية ، وإنّ قصته مع السّريّ الرّفّاء لتعكس هذه الناحية من خلقه
__________________
(٣١٥) الحكايات ـ ط المؤتمر / ٤٥ ـ ٥٦.