والحال هي نفسها بالنسبة إلى الحديث أو الفقه غير الإمامي ، وهذا هو الذي اضطر الشيخ المفيد إلى الحضور عند متكلمين غير إماميّين كما اضطره هو وغيره من أعلام الطائفة إلى تحمل الحديث أو تعلّم الفقه عند محدثين أو فقهاء غير إماميّين.
٦ ـ نعم كان هناك روافد من الفكر الاعتزالي تلتقي بالكلام الإمامي عن طريق متكلمين معتزلة. تحوّلوا إلى القول بالإمامة. ولم أعثر إلاّ على مثالَيْن :
١ ـ محمد بن عبد الله ، أبو عبد الله بن مُمْلَك الاصبهاني متكلم جليل القدر ، كان معتزلياً ثم قال بالإمامة وله مجالس وردود على أبي علي الجبائي في الإمامة وتثبيتها.
٢ ـ محمد بن عبد الرحمن ، أبو جعفر بن قِبَة الرازي (** ـ ح ٣١٥ / ٩٢٧).
متكلّم ، عظيم القدر ، قويّ في الكلام ، كان قوياً في المعتزلة وتبصّر وانتقل.
وإنّما قلت : (روافد اعتزالية) مسايرة مع من يرى أنّ أمثال هؤلاء إنْ تَخلَّوْا عن رأيهم حول الإمامة ، فإنّهم لم يتَخلَّوا عن بقية ارائهم ، وأرى أنّ الانتقال إلى القول بالإمامة يلزمه التمسك الاعتقادي الفكري في شتى شؤون المعتقد ، والانتقال في أمر الإمامة ينتهي إلى التأثر التامّ في سائر المناحي الفكرية.
يضاف إلى هذا أننا إن سلمنا بانّهم احتفظوا لأنفسهم ببقية أجزاء عقيدتهم بعدما تخلّو عن الجزء الراجع إلى الإمامة ، فإنّهم لم يكونوا من الشدّة والقوة والعدد ما يمكنهم من التأثير البيّن ـ أو المصيري كما يُعبِّرون ـ ولا يُخيَّل إلى أحد إنّي أنكر آثار الاحتكاك الفكري ، بل إنّ الاحتكاك ينمّي التفكير ، ويصحح طرق الاستدلال ويقصر السُّبُلَ ويُسَهّلُها ، وهذا ما حدث ـ في رأيي ـ لكلا الفريقين : الإماميّة ، والمعتزلة على سواء فبعد أنْ تعرّف كلّ منهما على الآخر ، أمكنه ـ عن طريق هذه المعرفة ـ الوصول إلى النتائج التي ذكرتها ، بل وإلى