«الصمد» في صفة الله ، عزّ وجلّ ، المُصْمَت ، لكان مخالفاً لقوله عزّ وجلّ : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءً) (٢٥٨). لأنّ ذلك من صفة الأجسام المُصْمَتة التي لا أجواف لها ، مثل الحجر ، والحديد ، وسائر الأشياء المصمتة (...).
فأمّا ما جاء في الأخبار من ذلك «فالعالِمُ عليه السلام أعلم بما قال ..» ثم استدلّ بأدلّة لغوية على صحة هذا التفسير (٢٥٩).
وبهذا سبق بأكثر من قرن الشيخ الطوسي تلميذ المفيد الذي يقول : «ومن قال الصمد بمعنى المُصْمَت ، فقد جهل الله ، لأنّ المُصْمَت هو المتضاغط الأجزاء ، وهو الّذي لا جَوْف له ، وهذا تشبيه وكفر بالله تعالى» (٢٦٠).
وما أشار إليه الكليني من الروايات التي لم يذكرها ، والّتي فسرت «الصمد» بالّذي لا جوف له ، قد ذكرها الصَّدوق ولم يتغافل عنها في «كتاب التوحيد» ـ الّذي تأثر فيه بالمعتزلة أكثر من رسالته وهدايته ، كما يقول مكدرموت (٢٦١) ـ وجمع بينه وبين المعنى الّذي اختاره الكليني عندما فسّر «الصمد» وأخذ بهما جميعاً ، وإنْ أوّلَ «الصّمد» بما لا يلزم منه الجسمية (٢٦٢) ومن هذا يظهر أنّ الكليني كان أكثر اعتزالاً من الصدوق!
ولعلّ الاحتفاظ بقدسيّة تلك الأحكام التي صدرت حول الإمامية ، قديماً وحديثاً ، وأنّهم عيال على المعتزلة يَعُولونهم بارائهم وأدلّتهم ، يدعو البعض إلى أن يجد أو يُوجد بلاطاً اعتزاليّاً آخر عاش فيه الكليني ووزيراً معتزلياً آخر ضغط عليه! ولا أمنع بأيّ وجه أن يتأثّر عالم إمامي بأُستاذه المخالف له في العقيدة ، أو بالجوّ المخاصم له ، ولكنّ الّذي لا أقبله هو ما يوحي به رأي (م. مكدرموت)
__________________
(٢٥٨) الشورى ، ٤٢ / ١١ ،
(٢٥٩) الكافي ، ١ / ١٢٤.
(٢٦٠) التبيان ، ١٠ / ٤٣١.
(٢٦١) التوحيد / ٩٣ ، ١٤٠ ، ١٧١.
(٢٦٢) التوحيد / ١٩٧.