وحديثاً حول تأثّر الإماميّة بالمعتزلة ، ليس لها ما يبررّها. وقد بيّنب أنّهم في عقائدهم لم يتأثروا بالمعتزلة ، وكانت هذه مهمّتي في هذا المدخل ، وامّا البحث عن الجوانب الاُخر فأرجىء التبسط فيه إلى مجال آخر.
ولكنّي هنا أسوق مثالا واحداً لتلك الأحكام الصارمة ، وهو أخفّ الأمثلة وأقلّها جَوْراً وتعسّفاً ، لصلته بالصدوق والمفيد. يذكر (م. مكدرموت) : إنّ «كتاب التوحيد» للصدوق متأخّر في تأليفه عن كتابيه الآخرين «اعتقادات الإماميّة» و «الهداية» وإنّ الصدوق فيه كان أقرب إلى الفكر الاعتزالي منه فيهما ، إذ أنّ الصدوق بعدما هاجر إلى الري كان يعيش في بلاط البويهيين هناك ، ولعلّ هذا الفرق يعود إلى «ضغط الوزير الصاحب بن عَبَّاد [وزير البويهيّين (٣٢٦ / ٩٣٨ ـ ٣٨٥ / ٩٩٥)] والأثر الذي كانت تتركه أدلّة المعتزلة في نفس الصدوق ، اللذَيْن أوجبا التغيير الذي حصل في تفكير الصدوق» (٢٥٥).
وأنا أضع أمامه وأمام الباحثين مثالاً أسبق عصراً وأرفع مستوى ، وهو الكليني ، الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي ، ثم البغدادي (٣٢٩ / ٩٤١) شيخ محدّثي الإماميّة ، وكان يعيش في الريّ ، ثم هاجر إلى بغداد في أواخر عمره وبها مات (٢٥٦).
فإنّ الكليني عقد باباً في توحيد الكافي : «تأويل الصمد» وذكر فيه حديثين فسّرا «الصَّمَدَ» بالسّيّد المصمود إليه كلّ شيء ، في القليل والكثير (٢٥٧) ثم قال :
«فهذا هو المعنى الصحيح في تأويل «الصمد» ، لا ما يذهب إليه المُشَبِّهة : أنَّ تأويل الصَّمَد : المُصْمَت الّذي لا جَوْف له ، لأنَّ ذلك لا يكون إلاّ صفة الجسم ، والله ، جلّ ذكره ، متعال عن ذلك (...) ولو كان تأويل
__________________
(٢٥٥) نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد / ٣٢٣ ، ٣٤١ ـ ٣٤٩.
(٢٥٦) راجع ترجمته في فاتحة الترجمة الانجليزية لكتاب العقل والجهل من الكافي.
(٢٥٧) الكافي ، ١ / ١٢٣ ـ ١٢٤ = ٣٢٣ ، ٣٢٤ ،