٢٤ ـ مقارنة ومناقشة :
وآخر ما أُريد أن أذكره : أنّ قياس «تصحيح الاعتقاد» للمفيد إلى «إعتقادات الإِمامية» للصدوق لا يكشف لنا إلاّ عمّا اشتركت فيه المدرستان الحديثيّة والكلاميّة عند الإِمامية وما اختلفتا فيه فحسب ، وخلال القرون التي تنتهي بالقرن الخامس / الحادي عشر ، وأمّا الانتهاء بهذا القياس إلى تعليل الفرق الّذي نجده في جانب المفيد بانه يرجع إلى تأثّره بالاعتزال فهو استنتاج ينقصه الكثير من مقوّمات الاستنتاج الصحيح المرتكز على دراسة صحيحة مستوعبة.
فإنّ الإمامية منذ أوَّل عصورهم كانت تتواجد فيهم هاتان المدرستان ، وقد قدّمنا أنّهما وان كانتا متغايرتَيْن من الاسلوب ونوعية الاستدلال ، إلاّ أنّهما لم يكونا متضادّتين متخاصمتين كما نجدهما عند غير الإماميّة. وقد ذكرت تأريخا متسلسلاً لمتكلّمي الإمامية ، ترجمت فيه لهم إلى عصر شيخ الطائفة الطوسي ن وذكرت ما ذكر لهم من الكتب الكلاميّة ، وسينشر ـ إن شاء الله ـ كتمهيد للترجمة الإنجليزية لتوحيد الكافي. ولكن الكتب الّتي ذكرتها هناك قد ضاعت كلّها ولم يصل إلينا منها إلاّ النزر القليل ، ولكنّها بعناوينها وأسمائها وما توحيه هذه العناوين ، تدلّ على أنّ الكلام الإمامي سلسلة متّصلة متواصلة ، عاشَتْ واستمرَّتْ إلى عصر الشيخ المفيد ، وما لم نحصل على نماذج منها ، ولا أقلّ من أنْ ندرس عناوينها وما تبقى من النماذج القليلة من محتوياتها فلا تكون دراستنا إلا ناقصة مبتورة ، ولا يصحّ لنا أنْ نحكم بأنّ ما نراه ميزة عند المفيد إنما أخذها عن المعتزلة ، بل أنّ هناك من الأدلّة التي تدلّنا على أنّ هذه الميزة توارثها متكلِّمو الإمامية كعقيدتهم التي توارثوها بمالها من الخصائص ، وقدمت سابقاً بعض الكلام حول الفرق المنهجي بين الاسلوب الحديثي والاسلوب الكلامي. ومنه يظهر أنّ تلك الأحكام الصارمة الباتة التي حكموا بها قديماً