المتنازعة ـ كما يعبّرون ـ متكافئة القوى ، لا يملك أيِّ منهالا سلاح السلطان ولا سلاح العامّة ، بل كانت المعتزلة ، بالنسبة إلى الإمامية ، أقرب إلى قلب السلطان وعطفه ، وأمكن من الاستعانة بسطوته وسلاحه! وهنا استعان المعتزلة بكل الأسباب والوسائل ، واتّبعوا كافة السبل التي تمكّنهم من الفوز ، وإن كانت خشية العامّة أوّلاً ، ثم خشية السلطان والعامّة معاً فيما بعد غلَّتْ أيدي المعتزلة أمام المحدّثين ، فانّها لم تغلّ أيديهم أمام الإمامية ، ولأجل هذا لا نجد في كتب المعتزلة بالنسبة إلى المحدّثين ذلك التهجّم الفاضح ، والنقد اللاذع الجريء ، والخصومة السافرة ، ما نجدها منهم بالنسبة إلى الإمامية.
وأنا أرى أنّ ما نسبه المعتزلة إلى الإمامية ـ وعنهم أخذه غيرهم ـ إنّما سمعوه أوّلاً من المحدثين ، فمقاتل بن سليمان استقرّ في البصرة أواخر حياته ، وفيها نشر اراءه ـ كما تقدم ـ «والبصرة عُشّ القدر» كما يقول الذهبي (٢٥٣) ، ومعاصره حمّادُ بن سَلَمة البصري (٨٨ / ٧٠٧ ـ ١٦٧ / ٧٨٤) مفتي البصرة وفقيهها ، والمحدّث الشهير ، وهو مَنْ تدور عليه أكثر أحاديث «الصفات» [صفات الله] الّتي يستدلّ بها المُجسّمة والمشبِّهة ، والتي يقولون أنّ ربيبه عبد الكريم بن أبي العَوْجاء الزّنديق الشهير قد دسّها في كتبه ، فكان حمّاد يحدّث بها ويدافع عن صحَّتها (٢٥٤) ، ومُعاذ العتبري قاضي البصرة ومحدّثها ، بل وداود الجواربي ، كانوا أمّا بصريين أولهم صلة بالبصرة ، فسمع المعتزلة كل ذلك منهم ، ولكنّهم لم يسعهم التهريج به عليهم مباشرة ، فاستعملوه امام الإمامية ، بأنْ نسبوا ذلك إليهم أوّلاً ، ثم التهريج به بعد ذلك!
__________________
(٢٥٣) ميزان الاعتدال ٣ / ٩١.
(٢٥٤) ابن الجوزي ، الموضوعات ، ١ / ٣٧ ، ١٠٠ ، ١٢٢ ، ابن فُورك ، مشكل الحديث / ١٦٩ ، البيهقي ، الاسماء والصفات / ٤٤٥ ، الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ١ / ٥٩٣ ، ابن حجر ، تهذيب التهذيب ، ٣ / ١٥ ، السيوطي ، اللآلي المصنوعة ، ١ / ٢٥ ، ٢ / ٤٦٨ ، ومصادر اخرى.