نقل هذه المذاهب» (٢٥٢).
* * *
وقبل أنْ أنهي البحث لا بُدّ لي من كلمة موجزة حول دور المعتزلة في هذا المجال. إنّ المعتزلة وإن واجهوا منذ نشأتهم طائفتين من الخصوم : إحداهما أصحاب الحديث والسُّنَّة ، أو مَنْ يسمّونهم المعتزلة بالحَشْويّة والنابتة ، والثانية المتكلّمون الّذين كانوا يختلفون معهم في الرأي. والمحدّثون لم يقابلوا المعتزلة بسلاح الكلام والجدل ومقارعة الحجّة بالحجّة ، بل قابلوهم بالتبديع والتكفير ، والاتّهام بالزندقة والمروق من الدين ، وإثارة العامّة وسواد الناس عليهم ، فتحوّلت خصومهم إلى «صراع جسديّ» فحسب ، اضطرّ المعتزلة فيها أن يكسبوا سلاح السلطان بعد أن لم ينجحوا في كسب سلاح العامّة! ومن أهمّ مظاهرها المآسي الّتي حفل بها تاريخ عصر المأمون ، والمعتصم ، الواثق ، والمتوكّل العبّاسيين (١٩٨ / ٨١٣ ـ ٢٤٧ / ٨٦١) ، كان المعتزلة فيها هم الفائزون في عصر الخلفاء الثلاثة الأُول ، عن طريق كسب سلطان الخليفة وسلاحه إلى جانبهم ، وهي المآسي التي اصطلح عليها المؤرّخون بمحنة خلق القرآن ، ولكن المعتزلة دالت دولتهم بعد أنْ مال المتوكّل إلى خصومهم المحدّثين ، فخسروا السلطة وسلاحها بعد أنْ كانوا قد خسروا العامّة وسلاحهم من قبلُ.
وأمّا خصومهم المتكلّمون ـ وأهم خصومهم كانوا متكلّمو الإمامية ـ فكانت خصومة المعتزلة معهم تدور في اطار فكريّ بحت ، إذ كانت الأطراف
__________________
(٢٥٢) مناظرات فخر الدين الرازي في بلاد ما وراء النهر ، تحقيق الدكتور فتح الله خليف ، دار المشرق ، بيروت ، ١٩٦٦ ـ مع ترجمته إلى الإنجليزية / ٣٩ = ٩٩ وراجع ترجمته / ٦٢ = ٩٩.