وهذان العاملان ـ ويضاف إليهما عوامل أُخر ـ يفسّران التأكيد الذي صدر من الأئمة عليهم السلام لشيعتهم على أخذ عقائدهم وأحكامهم من الأئمّة عليهم السلام وحدهم ، والاعتماد على الصادقين الموثوق بهم ممّن يروي عنهم. وسامح الله إخواناً لنا فسّروه على أنّه قطيعة بين الإخوة المسلمين ، وحوّلوه إلى مطعن أضافوه إلى مطاعنهم علينا!
وتبيّن من دراستنا هذه أنّ خصوم الإمامية ، مهما اختلفت آراؤهم وتباينت عقائدهم ، لم يتورّعون عنه ـ فيما بينهم ، وقد قدّمت أمثلة كثيرة لذلك ، وتركت التعليق عليها ، ولكنّي هنا أحكي رأياً لعالم غير إمامي حول كتاب من أشهر كتب المقالات والفرق ، ويعدّ بمنزلة الأُمّ لعامة من كتب في هذا الموضوع قديماً وحديثاً ، وهو كتاب «الفَرْق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منها» تأليف أبي منصور ، عبد القاهر بن طاهر البغداي ، الأشعري ، الشافعي (٤٢٩ / ١٠٣٨) وبمعناه كتابه الآخر : «الملل والنحل» وكلاهما مطبوعان ، وكتاب آخر لا يقلّ عنه أهمّيّة ، إن لم يَفُقْه ، وهو كتاب «الملل والنحل» تأليف أبي الفتح ، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (٤٧٩ / ١٠٨٦ ـ ٥٤٨ / ١١٥٣).
يقول فخر الدين الرازي العالم المتكلّم والمفسّر الشهير حول كتاب «الملل والنحل» تأليف الشهرستاني ـ من أشهر الكتب في هذا الموضوع ـ : «إنّه كتاب حكى فيه مذاهب العالم يزعمه ، إلاّ أنّه غير معتمد عليه ، لأنّه نقل المذاهب الإسلامية من الكتاب المسمّى بـ «الفَرْقِ بَيْنَ الفِرَق» تأليف الأُستاذ أبي منصور البغدادي ، وهذا الأُستاذ كان شديد التعصّب على المخالفين ، ولا يكاد ينقل مذهبهم على الوجه الصحيح. ثمّ إنّ الشهرستاني نقل مذاهب الفرق الإسلامية من ذلك الكتاب ، فلهذا السّبب وقع الخلل في