استمرَّتْ سنين طويلة ، والتي ضرب بها المثل في حسن الصحبة وجميل العشرة ، والتي أفضلت على جميع المتضادين ـ كما يقول الجاحظ ـ فهذا النبز ، بهذا المستوى ممّا يأباه خلو منْ لم يكن في مستوى هشام بن الحكم ، فكيف به!
فمن هذا كلّه وغيره أقول ـ وأنا واثق بصحّة ما أقول ـ : أنّ هشاماً في كتابه هذا يردّ على شخص آخر غير مؤمن الطّاق ، وكان هذا للقب «شيطان الطاق» له قبل أنْ يلقْب مؤمن الطاق به ، وكانت خصومته للإِمامية ولهشام بلغت الحدّ الذي لم يجد هشام بأساً في نبزه بمثل هذا اللقب الشائن ، ولكن الخصوم قد حرّفوا اللّقب عن موضعه ، ونبزوا به مؤمن الطاق ، لأنّه كان يسكن طاق المحامل بالكوفة ، فكان يقال له «الطاقيّ» أو «صاحب الطاق» (٢٤٥) وتنوسي صاحب اللقب الأول إلى أنْ نُسي ، فحصل مثل هذا اللَّبْس ، وفيما قدَّمْتُ من النماذج الكثيرة من فعل الخصوم ما يبرّر لي مثل هذا الظّنِّ الحسن بهم وِبخُلُقهم وسلوكهم!
وممّا يدلّ على أنّ هذا اللقب لم ينبز به مؤمن الطاق وحده أنْ الخطيب يترجم لراو غير إمامي ويقول : «أحمد بن هارون ، يعرف بشيطان الطاق ، من أهلِ سُرَّ مَنْ رأى (٢٤٦) ...» (٢٤٧).
٢٣ ـ نظرة إلى الحديث غير الإمامي :
ومن دراستنا هذه الّتي اضطررنا إليها ظهر أنّ من اتّهموا من الإمامية بالتجسيم والتشبيه ـ سواء تسَّربَتْ إليهم من طرق غير الإمامية ـ وما قدمنا من
__________________
(٢٤٥) راجع المصادر المتقدّمة حول لقبه.
(٢٤٦) أي : سامراء الحالية ـ العراق.
(٢٤٧) تاريخ بغداد ، ٥ / ١٩٦.