بنفسه غير «الجسم» ، والخطأ والصواب في هذا التعبير يعود إلى اللغة لا إلى الاعتقاد ، كما قال الشريف المرتضى ، حيث إنّ «الجسم» في اللغة العربية له معنى واضح محدّد ، ولا يصحّ اطلاقه على غير هذا المعنى الا مجازاً وبقرينة.
وكان هشام يعيش في بداية عصره وضع المصطلحات الكلامية والفلسفية في المسلمين ، وكان هو من الروّاد في محاولة «وضع معجم فلسفي واف ببيان المعاني في اللغة العربية» كما قال (١٢٨).
ولعلّ السرّ في هذا التشدّد من الأئمّة عليهم السلام ، وهذا النهي القاطع الصريح عما كان يعبر به هشام يرجع إلى ان «الجسم» ـ كما اشرنا سابقاً ـ له مدلوله الواضح عند عامة الناس المنبعث من معناه في اللغة العربيّة ، فإذا أطلق «الجسم» على الله سبحانه ـ وان اضيف له «لا كالأجسام» ـ فإنّه يحمل أو ينتهي في ذهن العامة إلى التجسيم والتشبيه لا محالة ، إذ يفسّر «جسم لا كالأجسام» عندهم بتفسير يقرب مما حكيناه سابقاً من اقوال المحدّثين غير الإِمامية ، الذين قالوا بالتجسيم ، والاعضاء ، والاجزاء لله سبحانه ، ولكنه ـ عزّ وجلّ ـ لا يشبه في شيء منها بشيء ممّا للخلق من الجسم ، والأعضاء ، والأجزاء ، فإنّ قولهم ـ المتقدم ـ معناه ـ وإن لم يصرّحوا به ـ : ان لله سبحانه «رأس لا كالرؤوس» و «يد لا كالأيدي» و «عين لا كالأعين» ... فهو «جسم لا كالأجسام» ويبقى لفظ «الجسم» يحمل نفس المعنى الذي يفهمه كل أحد منه ، لا ذلك المعنى الدقيق الذي يقصده هشام والذي يرتفع عن مستوى الفهم العام ، بل وعن فهم العلماء غير المختصّين بعلم الكلام ، والذي لا يمكن لهشام ان يعبّر عنه بلفظ «الجسم» إلاّ بتفسير
__________________
(١٢٨) مونتجمري وات «عصر نشأة الفكر الاسلامي ـ بالانجليزية ـ مطبعة جامعة ادنبره ، ١٩٧٣ / ٢٤٨ وذكره بتفصيل في كتابه الآخر عن الاسلام ، ط ١٩٧٤ / في الفصل : «قبول الآراء اليونانية» / ١٣٦ ـ ١٤٠ ، وكلامه حول هشام / ١٣٧ ـ والذي اكبر فيه محاولته هذه وانّ لها اهمية عظيمة.