«وقوله [الصادق] عليه السلام : هشام بن الحكم رائدُ حقِّنا ، وسائق قولنا ، المُؤيِّد لصدقنا ، والدافعُ لباطلِ أعدائنا ، من تَبِعَه وتَبِع أثره تَبِعنا ، ومَنْ خالفه وألحد فيه عادانا وألحد فينا» (٤٩).
كان هشام بن الحكم متكلّماً ، قويّ الكلام ، بصيراً بالحجّة والجدل ، حاضر البديهة ، قويَّ الذاكرة ، عميق المعرفة ، واسع الثقافة ، متعدّد الجوانب ، كثير النشاط ، مناظراً جَدِلاً ، اتّصل بعامّة أصحاب المقالات ، ومتكلّمي الفرق مسلمين وغير مسلمين ، وناظرهم ، وتكلّم معهم ، بل وصادقهم ، حتى ضرب المثل بصداقته وحسن صحبته لمن يصادقه وإن تناقضت آراؤها.
وهذا جانب من خلق هشام هامٌّ جدّاً في تفهّم شخصيّته. فإنّ أحدَ مَن صادقهم وبصداقته معه ضرب المثل هو : عبدالله بن يزيد الفَزَاري ، الكوفي ، المتكلّم الإِباضي ، وكان هو وأصحابه أقرب فرق الخوارج إلى أهل السُّنَّة (٥٠) وكان من كبار الخوارج ومتكلّميهم ، ومؤلّفي كتبهم ، وذكروا له من الكتب : كتاب التوحيد ، كتاب الردّ على المعتزلة ، كتاب الردّ على الرافضة (٥١).
«فكان عبدالله بن يزيد الإِباضي من أصدق الناس لهشام بن الحكم ، وكان يشاركه في التجارة» (٥٢) وجعلهما الجاحظ أفضل المتضادَّيْن ممّن «لم يَجْر بينهم صُرْمٌ ، ولا جَفْوة ، ولا إعراض (...) فإنّهما صارا إلى المشاركة بعد الخلطَة والمصاحبة (...) فهما أفضلا على سائر المتضادَّيْن بما صارا إليه من
__________________
(٤٩) معالم العلماء /١١٥، معجم رجال الحديث، ١٩/٣٣٤. وكلام الصادق عليه السلام هذا حكاه الشريف المرتضى في الشافي /١٣.
(٥٠) ابن حزم، الفصل، ٢/١١٢ و «الاباضيّة» من فرق الخوارج اخذوا مذهبهم منه. ابن حجر، لسان الميزان، ٣/٣٧٨.
(٥١) الاشعري، مقالات الاسلاميين، ١/١٨٦، «ابن» النديم، الفهرست /٢٣٣، الشهرتاني، الملل والنحل، ١/١٣٧، البغدادي، هدية العارفين، ١/٤٤٦.
(٥٢) كمال الدين، ٢/٣٦٣، البحار، ٤٨/١٩٨.