وأتغافل أنا عن كلّ هذه الاَْقوال ، وأُعْنى فحسب بالبحث عمّا استندوا إليه. وعمدتهم في ذلك كلّه إلى ما حكاه هؤلاء الخصوم عن بعض أعلام الإِماميّة والمتقدّمين من محدّثيهم ومتكلّميهم ، كالّذين سمّاهم الخيّاط ، من القول بالتجسيم والتشبيه الصريحين ، بل والانتهاء فيهما إلى حدّ السُّخْف وهُجْر القول.
وأنا لا أطمع ـ ولا أرجو ، بل أتمنّى ، كما يتمنّى المرء المحالات! ـ أنْ يَعْدِل هؤلاء الخصوم ـ الماضين منهم والمعاصرين ـ عن آرائهم ، ولا أنْ يرجعوا عن ترديد اتّهاماتهم ، ولا أنْ يعيدوا النظر في احكامهم ، ولا أريد أن أذكر الأسباب التي جرّتْني إلى هذا المستوى الرفيع من حسن الظنِّ بهم وبعدالتهم وإنصافهم ، ونزاهتهم عن الكذب والافتراء و... و...
ولكنّي إيماناً منّي بالإِنسانيّة ونزاهتها في الحكم ، وبالباحث وتطلُّعه إلى كشف الحقائقق ، والاَْهمّ من هذا كلّه إيماناً منّي بالإِسلام وما يفرضه على المسلم الصادق من سماع للقول أيّاً كان قائله ثم اتّباع أحسنه ، وإنصاف في الحكم أيّاً كان المُنْتَفع به ، وقول للحقّ وإن كان على نفسه ، وخضوع لقول الله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا إِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (٤٦) إيماناً منّي بهذا كلّه أدرس هذا الجانب من الاتّهام دراسة موجزة ، وأخصّ بحثي بالهامشين ، هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم لا أتعدّاهما ، وعلى ما ينتهي إليه البحث عنهما من نتائج فقِسْ ما سواهما!
٩ ـ هشام بن الحكم ، بعض جوانب شخصيّته :
أبو محمّد ، هشام بن الحكم الكندي ، مولاهم ، الكوفي ، ثم البغدادي
__________________
(٤٦) المائدة ٥: ٨.