فيه ، وهي قليلة جدّاً ، ان قيست بالنسبة إلى موارد الاتفاقق. نعم : الفارق إنّما يكون في نوعيّة الاستدلال ، وكيفية سوق الدليل والبرهنة على الرأي الاعتقادي.
وتكشف أيضاً : ان هذا نقد المتكلّمين الإِماميّة للأحاديث الّتي يعتمد عليه المحدّثون لا يكون نابعاً أوّلاً وبالذات من موقفهم العقائدي ، ومخالفتها لأحكامهم الكلاميّة ، وإنّما يرتكز على موازين نقد الحديث الّذي يأخذ به كلّ محدّث ، من الطعن في سند الحديث بتجريح رواته وأنّ فيهم من لا يصحّ الاعتماد عليه ، أو التشكيك في دلالته ، أو طرحه لمعارضة دليل أقوى له من آية كريمة أو حديث أقوى منه سنداً أو أصرح منه دلالة.
على العكس ممّا تتّهم به المدرسة الحديثيّة غير الإِمامية جمهور أصحاب الكلام من جهميّة ، ومعتزلة ، ومرجئة ، وغيرهم : بأنّهم يردّون آي الذكر الحكيم والسُّنّة النّبويّة الثابتة جملة وتفصيلاً ، إن خالفت ما ذهبوا إليه من الآراء الكلامية.
ولعلّ السرّ في هذا الفارق بين سلوك المدرستين الحديثيّتين ، الإِمامية وغير الإِمامية يعود أوّلاً : إلى الفرق بين طبيعة الحديث الإِمامي ، وبين الحديث غير الإِمامي ، كما سنشير إليه ، وثانياً : إلى أنّ المتكلِّمين الإماميّين يمتازون عن غير الإِماميّين ، بإنّه قلّ ما يوجد متكلّم إلاّ وكان أيضاً من حملة الحديث وعلومه ، فكان يجمع الميزتين ، مشاركاً فيهما ، لا أنّه إن كان يختص بالحديث ، فكان يجهل الكلام بل يقف منه موقف الخصومة والعداء ، وإن كان متجهّاً إلى الكلام ومسائله فإنّه كان يجد نفسه في غنىً من الحديث وتحمّله وروايته ، كما قالوا عن غيرهم.
وإن دراسة الكتاب الآخر لشيخنا المفيد رحمه الله : (أوائل المقالات في المذاهب والمختارات) لتكشف عن نقاط الخلاف بين علماء الإِماميّة إلى عصر المفيد ، سواء كانوا علماء حديث وفقه فحسب ، أم علماء كلام فحسب ـ ولم