أجد فيه مثالاً لهؤلاء إلاّ بعض بني نَوْبَخْت ـ ، أم الّذين جمعوا بين الأمرين ، ونقاط الخلاف هذه قليلة جدّاً إن قيست بما اتّفقوا عليه. وتكشف أيضاً عن نقاط الخلاف بينهم وبين غيرهم من فرق المسلمين البارزين إلى عصر المفيد.
ومهما يكن ، فقد كنت أعددت العُدَّة لبحث مفصّل أقارن فيه بين كتابي الصدوق والمفيد ، ولكنّي هنا ـ ولا يسع المجال لذلك ـ أكتفي بالنتائج التي انتهى إليها باحث غربيّ ، وهو الاستاذ (مارتن مكدرموت) في كتابه : (نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد) واقتطع منه مقاطع صغيرة ، قال :
«كان ابن بابويه (الصدوق) محدّثاً ، وإذا أراد أن يحلّ مشكلة أو يجب عن مسألة ، فإنّه بدل أن يأتي من نفسه بدليل (بفكرة) ، فإنّه كان يحبّ أنْ يروي حديثاً ، وحتى أنّ رسالته الإعتقادية (رسالة الإِعتقادات) (*) أكثر ما جاء فيها إنّما هي أحاديث اتّصل بعضها ببعض. ومع كلّ هذا فإنّه كان يعتقد بالأحكام والأراء الّتي كان يعتقد بها المتكلّمون ، وإذا واجه حديثاً يكون ظاهره مخالفاً للآراء الكلاميّ ، مثلاً فيما يرجع إلى التوحيد ، أو العدل الإِلهي ، فإنّه كان يصوغ بنفسه تفسيراً أو تعبيراً يلائم به الحديث المبحوث عنه مع الحكم الكلامي.
وهذه الجهة هو الفارق بين ابن بابويه وتلميذه المفيد الذي كان متكلّماً ومحدّثاً. فإنّ المفيد إذا واجه أمراً يمكن إثباته عن كلا طريقي الوحي ، والاستدلال العقلي ، فإنّه كان يفضّل البرهان العقلي ، ويجعل الحديث أو النّصّ القرآني برهاناً مكمّلاً له.
لأنّ أكثر الآراء الكلامية الّتي أخذ بها ابن بابويه تتفقّ مع ما ارتاه تلميذه المفيد (...) ـ ثم يستعرض نقاط الخلاف بينهما ، الأمر الذي يلمسه القارىء للكتابين بنفسه ، فيقول : انّ ابن بابويه محدّث يُشْبه في بعض آرائه مع المعتزلة في آرائها وأحكامها ، والشيخ المفيد متكلّم وفي الحال نفسها محدِّث ، وأنظاره
__________________
(*) أي: اعتقادات الإمامية.