وأما" لم ، ولما" ، وسائر الحروف العاملة في الأفعال ، فإن حكمها ألا يتقدم الاسم على الفعل فيها ؛ لأن عوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء ، لأن الأفعال أضعف من الأسماء ، فلما رأينا الحروف العاملة في الأسماء لا يحسن فيها تأخير الأسماء عن مواضعها إلا بالظروف ، نحو : " إنّ ، وليت ، ولعل ، وبابها" وكانت الحروف العاملة في الفعل أضعف منها ، لم تؤخر الأفعال عن مواضعها ؛ فإن اضطر الشاعر إلى تقديم الاسم على الفعل ، جاز واحتمل للضرورة ، نحو قولك : " لم زيدا أضرب ، وسوف زيدا أضرب" ، وإنما جاز من قبل أن العامل في الاسم هو الفعل لا الحروف ، وقد كان يجوز تقديم الاسم على الفعل قبل دخول الحرف ، وإنما دخل الحرف على الجملة ، فأجازوا بعد دخوله ما كان يجوز قبله.
والضرب الآخر من الحروف ، وهو الذي يليه الفعل ، ويحسن إضماره وتأخره" هلا ، ولو لا ، ولو ما" ، إذا كانتا بمعنى : " هلا ، وألا" ، إذا كانت كذلك. ومعناها كلها أنها لوم واستبطاء فيما تركه المخاطب ، أو يقدر فيه الترك ، من ذلك أن يقول القائل : " قاتلت أهل الكوفة" ، فيقول القائل : " هلا القرمطي" ، أي : هلا قاتلت القرمطي ، أو يقول : " أنا أقاتل أهل الكوفة" ، فيقال له : " فهلا القرمطي" ، أي : فهلا تقاتل القرمطي. فهذا عدول به عما ذكر إلى هذا الآخر الذي حض عليه في المستأنف. أو ليم على تركه في الماضي قال الشاعر جرير :
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم |
|
بني ضوطري لو لا الكميّ المقنّعا (١) |
أي : هلا تعدون الكمي المقنعا.
وهذه الحروف مركبة من حرفين لهذا المعنى ، والأصل فيها : هل ، ولو ، وأن. أضيف إليهم : لا ، وما. ويجوز فيما بعدهن التقديم والتأخير ، ويحسن ، فيقال : " هلا زيدا ضربت" ، " وهلا عمرا أكرمته" وخالفت هذه الحروف الحروف التي قبلها في جواز إضمار الفعل ، التقديم والتأخير ؛ لأن هذه الحروف جعل فيها معنى التحضيض ، واستدعاء الفعل ، فصارت كأنها الأفعال ، فجاز إيلاء الاسم إياها تشبيها لها بالفعل ، وحذف الفعل معها
__________________
(١) البيت لجرير في ديوانه ٣٣٨ ، الخزانة ١ / ٤٦١ ، ٤ / ٤٩٨ ، ابن عقيل ٢ / ٢٩٦ ، الدرر اللوامع ١ / ١٣٠.