ويصبح في مقدورهم أن يرفعوا شكاوى أبناء جلدتهم إليه ، وحمايتهم ضد أي اعتداء يتعرضون له.
وقد حدث في الوقت الذي كنت فيه أثناء مكوثي هناك أن نشب خلاف شديد بين القنصل البندقي والباشا الجديد الذي أرسل إلى هناك بدلا من الباشا الذي توفي في السادس من شهر آذار سنة ١٥٧٥ م. فلقد أقبل الباشا الجديد لاستلام منصبه في موكب حافل من الفرسان والمشاة. وعند وصوله إلى مقر عمله توجه القنصل البندقي مع عدد كبير من التجار في موكب كبير لمقابلة الباشا والترحيب به ، وتقديم هدية إليه تتألف من أربع عشرة كسوة من الملابس الحريرية الفاخرة ، والطلب إليه أن يكلأ بين عنايته أبناء وطنه كيما يتاجروا ويتعاملوا بأمان في ظل حكمه. ونظر الباشا إلى الملابس فثار سخطه ثم عاد ونظر إليها ثانية وإذ ذاك لم يرفض قبولها حسب بل رد على القنصل بكل فظاظة.
وغالبا ما يحدث أن يثير أمثال هؤلاء الكبار الخلافات ، وأن يشتطوا في خلافاتهم تلك إلى أبعد الحدود ، وقد يؤدي ذلك إلى أن تعرض هذه الخلافات في النهاية على السلطان ومحكمته. فإذا ما ظهر أن الباشا كان مسيئا عوقب في الحال ، دون اعتبار للسلطة الواسعة التي يتمتع بها بل طبقا للخطأ الذي ارتكبه ، إما بالغرامة أو بسواها. وإذا كان الجرم كبيرا فإنه قد يفقد حياته بسبب ذلك وهذا ما يحدث في أغلب الأحايين ، وهو يعتمد كثيرا على طرق المواصلات التي تدر إيرادات جسيمة على السلطان كل سنة.
ورغم أن بعض العقوبات التي يعاقب بها الباشوات شديدة أحيانا ، إلا أن أبهتهم ومطامعهم تكون واسعة ، وإنهم في سبيل الاحتفاظ بعظمتهم تلك ، لا ينفكون عن التطلع بكل الوسائل إلى الغنى والثراء ، في حين يتعرض رعاياهم كل يوم لمختلف صنوف الاضطهاد والمعاناة ولا سيما إذا كانوا من الأغنياء ناهيك عن الأجانب ، بحيث لا يستطيع هؤلاء أن يكسبوا شيئا.