يمارسون ذات الشعائر ، عند إقامة الصلوات. فهم جميعا يؤدون الصلاة خمس مرات كل يوم ، ثلاث منها في النهار ، تبدأ الأولى عند الظهيرة ، والثانية حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر (١) والثالثة حين تغرب الشمس.
أما صلوات الليل فاثنتان ، الأولى منهما قبل أن تشرق الشمس بساعة ونصف الساعة ، والثانية بعد الغروب حين يصفو الجو وتطلع النجوم.
ولم يكن الظلام ، ولا الخطر الذي قد يلف الموقع ، أو عدم ملاءمة الوقت ، ليمنع المسلمين من النهوض في وقت يكون فيه سواهم غارقين في النوم ، والهبوط من السفينة إلى الأرض الخلاء لإقامة الصلاة فيها برهبة وخشوع. فقد كنت أراهم غالبا وكأن الدموع تنحدر من مآقيهم.
ولا بد لي من الاعتراف هنا بأن المسلمين يتمسكون بشعائر دينهم ، ويحافظون عليها أكثر من أية أمة أخرى ، وأن هذه الشعائر تردعهم عن تناول الخمور ، وتأمرهم بالتقشف ، والعكوف على أداء الصلوات.
في الثامن عشر من الشهر وصلنا إلى «حديثة» وهي مدينة جميلة وكبيرة قديمة البناء تخضع لشيخ البادية ، ويقسمها نهر الفرات ، مثل عنه ، إلى قسمين ، يقع القسم الأكبر منها على الجهة اليمنى من النهر.
في هذه المدينة دفع ربان السفينة إلى موظف الكمارك مبلغ صايين (٢) (والصاي يبلغ حوالي ثلاثة بنسات في بلادنا) ومن ثم استأنفنا الملاحة ثانية كيما نستطيع أن نبلغ مدينة «جبّه» ليلا.
__________________
(١) هذا حسب التوقيت الأوروبي وفي أيام الشتاء عادة.
(٢) الصاي عملة تركية قديمة معروفة قبلا في العراق وهو يذكر باسم «صاغ» أيضا ويعادل زهاء عشرة فلوس بالعملة العراقية الحاضرة ولا يزال المصريون يستعملون «القرش الصاغ» حتى اليوم.