وهذا أيضا ليس ببعيد من صاحب الدرة التي كان يضعها حيث يشاء ، مبررا ذلك بما يراه ويدعيه من المصلحة.
٣ ـ توجيه ابن عبد البر :
وقد أغرب ابن عبد البر في توجيه هذه الأحاديث ، حيث إنه جمع في الاحتمال بين أن لا تكون حجة ، وبين أن تكون صحيحة ثم حاول تأويلها.
فإنه قال ـ ومورد حديثه ما رواه قرظة من حديث عمر مع وفد الكوفة ـ :
طعن في حديث قرظة هذا ، لأنه يدور على بيان عن الشعبي ، وليس مثله حجة في هذا الباب ، لأنه يعارض السنن والكتاب ...
فكيف يتوهم أحد على عمر أنه يأمر بخلاف ما أمر الله به ..
والكلام في هذا أوضح من النهار.
وقال : وقد يحتمل عندي أن تكون الآثار كلها ـ عن عمر ـ صحيحة متفقة ، ويخرج معناها على أن من شك في شئ تركه (٣١).
أقول :
إن ترديده في الحديث بين احتمال الإشكال السندي ، وعدم الحجية ، وبين احتمال أن يكون صحيحا ، غريب جدا ـ وخاصة من مثل ابن عبد البر ـ حيث إنه مع الإشكال في السند بما ذكر ، لم يبق مجال لاحتمال الصحة.
إلا إذا أراد أن يجيب على ذلك الفرض أيضا ، فلا بد أن يذكره فرضا على سبيل التسليم تنزلا ، لا احتمالا.
وأما إشكاله السندي ، من جهة دوران الحديث على «بيان» فهو غير وارد ، وذلك : لأن الرجل هو بيان بن بشر ، وهو ـ عندهم ـ ثقة (٣٢).
وقد اعترض محمد عجاج الخطيب على ابن عبد البر في كلامه هذا ، بقوله :
__________________
(٣١) جامع بيان العلم ٢ / ١٢١ ـ ١٢٤ ، وانظر : السنة قبل التدوين : ١٠٠ ـ ١٠٣.
(٣٢) تهذيب التهذيب ١ / ٥٠٦.