فلا ينكر أحد أن الحبس قد تحقق من عمر قطعا ، كما لم يناقش فيه أحد من أعلام الحديث ، ولهذا تصدوا لتوجيهه دلالة ، ولو كان في أصله أدنى مناقشة ، لما فاتهم ذلك ، لأن المناقشة في الدلالة فرع ثبوت الحديث وصحة سنده كما لا يخفى.
وظاهر الحبس رفض ما صدر من الصحابة من الحديث ، كما يظهر من كلامه حيث عاتبهم بقوله : «ما هذا الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ إ» مستنكرا.
والاستنكار لا يكون إلا إذا كان المحدث قد جاء بما لم يتوقع منه ، وهذا هو وأحد من أشكال الاتهام.
ولا أقل من احتواء ما فعله عمر على التشديد على الصحابة ، وقد اعترف أكثر المحدثين بذلك ، وصرح به الخطيب (٢٨) وابن عساكر (٢٩) وابن قتيبة (٣٠).
والتشديد ـ أيضا ـ حرام ، وخاصة على الصحابة الكرام.
وإذا نفينا أن يكون فعل عمر بالصحابة على وجه التهمة ، فيبقى احتمالان ـ مما ذكر ابن حزم ـ لا بد من أحدهما :
١ ـ فإما أن يكون غرض عمر منع الحديث والرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..
وهذا هو ظاهر جميع النصوص التي وردت في مسألة الحبس ، وسائر تصرفات عمر وأقواله لمنع الصحابة ، حيث استنكر عليهم أصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كما يدل على ذلك إقدامه الشديد على منع تدوين الحديث ، وخاصة احتجاجه بالاكتفاء بالقرآن الذي هو من أدلة المدعين للفصل بين الكتاب والسنة ، ونبذ السنة.
٢ ـ أو الالتزام بأنه حبس الصحابة ظلما.
__________________
(٢٨) شرف أصحاب الحديث. ٩٧ ـ ٩٨ ، وقد مضى نقل كلامه.
(٢٩) تاريخ دمشق ٣٩ / ١٠٨ ـ ١٠٩ ، وسيأتي نقل كلامه.
(٣٠) تأويل مختلف الحديث : ٣٩.