طعن عبد البر في روايته هذه ، لأنه خالف من هو أوثق منه ، وهذا لا يمنع صحتها (٣٣).
أقول : مع أن الحديث منقول بأسانيد أخرى ، ولا تنحصر روايته بهذا السند ، بل إن حديث منع عمر الصحابة من الحديث مشهور معروف ، لا يحتاج إلى ملاحظة أسانيده.
مضافا إلى ورود الصحاح بذلك أيضا.
وأما تأويله للحديث على احتمال صحته بأنه : يخرج على أن من شك في شئ تركه.
ففيه أنه تخريج بعيد ، لأنه لا يرتبط بأمر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي سمعه الصحابة منه ، وحاولوا نشره وإذاعته ، ولا بمنع عمر لهم عن ذلك إلى حد التشديد والحبس.
فلا الصحابة كانوا شاكين فيما يروون عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى يتركوه ، ولا عمر كان شاكا في شئ مما يفعل من المنع والحبس حتى يتركه.
وإذا صح الحديث بأن عمر قد حبس الصحابة ومنعهم عن الرواية ، فلا بد من النظر في مدى موافقة ذلك العمل للنصوص الثابتة الدالة على جواز الرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآله في كل عصر ومصر ، بل ضرورة ذلك ولزومه ، الذي هو من بديهيات الإسلام وهو أوضح من النهار ـ كما ذكر ابن عبد البر ـ ونعم ما قال في نهاية كلامه المذكور ما نصه : ولو كان مذهب عمر ما ذكرناه ، لكانت الحجة في قول رسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، دون قوله.
فهو القائل : «نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ، ...» (٣٤).
أقول : فلا يحتاج الحديث إلى تخريج أو توجيه ، بل يرد عليه ، ولا يلتزم بمنعه ، كما لم يلتزم بذلك كبار الصحابة وأعيانهم ، إلى أن اضطر إلى جلبهم وحبسهم عنده.
__________________
(٣٣) السنة قبل التدوين : ١٠١ ه ـ.
(٣٤) جامع بيان العلم ٢ / ١٢٤.