الإسلام من جهة أخرى ، لأنه يسمع القرآن الكريم ولا يفهم منه إلا اليسير ، يؤيد ذلك قول قديم لشيخ سيبويه وهو الخليل بن أحمد الفراهيديّ (ت ١٧٠ ه) «إنّ أكثر من تزندق بالعراق لجهلهم بالعربية» مصداقا لقوله تعالى في سورة (الزمر / ٩) (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وهذا استفهام بمعنى النفي.
وليس معنى هذا أنّ كل من يفقه العربية يدخل الإيمان إلى قلبه لدى سماعه كتاب الله يتلى عليه .. بل إن للكبر والجحود والتعصب والإصرار دورا كبيرا في إعراض المعرضين عن دين الله ، بدليل قوله تعالى في سورة (لقمان / ٧) (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها ، كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً). وقوله تعالى في سورة (الجاثية / ٨) يقصد الفئة نفسها ممن يعلم ويستكبر : (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها ، فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
فتعلّم العربية على الوجه الأكمل ، والإخلاص في هذا التعلّم للارتقاء به إلى الأسلوب القرآني ؛ يفتح للمسلم مغاليق كتاب الله ، ويطلعه بعمق على ما فيه ليصل إلى مرتبة الإيمان الأمثل ، بل ويزداد إيمانا كلما تلا أو تليت عليه آيات من كتاب الله.
ولا يقتصر الأمر على هذا فحسب ، بل إن كثيرا من الخلافات التي وقعت بين الفقهاء يعود معظمها إلى اختلافهم في فهم أساليب العربية ، فيعودون إلى كلام العرب وأقوال النحاة ليحتكموا إليها ويحكّموها ..
والأمثلة كثيرة على تأثير فهم العربية في خلافات الفقهاء. من ذلك اختلافهم في قضية مسح الرأس في الوضوء كلّه أو بعضه لاختلافهم في معنى الباء بين أن تكون للإلصاق أو للبعضية أو الزيادة في قوله تعالى في