دون النوع الآخر ، أى : أنهم يكتفون بوزنه الغالب الشائع فى أحد النوعين ويستعملونه فيه ، وفى الآخر أيضا من غير أن يجمعوا المفرد جمع تكسير على وزن من الأوزان التى تشيع فى هذا النوع الآخر. ومن الأمثلة استعمالهم فى القلة ، والكثرة معا : أرجل ، وأعناق ، وأفئدة (وهى جمع : رجل ، وعنق ، وفؤاد) مع أن صيغة : أفعل ، وأفعال ، وأفعلة ـ هى من الصيغ الغالبة فى القلة ، فاكتفوا بها فى النوعين عند تكسير هذه الكلمات ، ولم يجمعوا كلمة : رجل ، ولا عنق ولا فؤاد ، على صيغة من الصيغ الخاصة بجمع الكثرة.
ومن الأمثلة أيضا عند تكسير المفردات ؛ رجال وقلوب (جمع : رجل ، وقلب) فى القلة والكثرة ، مع أن صيغة : «فعال» و «فعول» من الصيغ الغالبة فى الكثرة. فاكتفوا بها فى الدلالة على النوعين عند تكسير الكلمتين ، ولم يجمعوا رجلا ، وقلبا ، على صيغة للقلة.
الأمر الثالث : أن العرب قد يستعملون صيغة شائعة فى أحد نوعى التكسير مكان صيغة وضعوها للنّوع الآخر ، وشاعت فيه. فكلتا الصيغتين موجودة فعلا ، وتشيع فى أحدهما (١) ، وحده ، ولكنهم يستعملونها فى معنى الآخر ؛ بقرينة فى
__________________
(١) فى صيغ جمع القلة وأنها قد تستعمل للكثرة والعكس ـ يقول ابن مالك فى أول باب عنوانه : «جمع التكسير» ـ وسنذكر أبياته مرتبة هنا ترتيبها فى «ألفيته» ـ :
أفعلة ، أفعل ، ثمّ : فعله |
|
ثمّت : أفعال ـ جموع قلّه |
(ثمت : هى «ثم» العاطفة ، زيدت فى آخرها تاء التأنيث المفتوحة) ، تلك صيغ القلة. وانتقل بعدها مباشرة إلى استعمالها فى الكثرة ، وصيغ الكثرة فى القلة ، فقال :
وبعض ذى بكثرة وضعا يفى ؛ |
|
كأرجل ، والعكس جاء ؛ كالصّفى |
يقول : إن بعض هذه الأوزان يفى بالكثرة ، أى : يدل عليها ، ويغنى فيها كأرجل ؛ جمع رجل ؛ فإنها تكون للكثرة كما تكون للقلة. وهذا بالوضع العربى : أى : أن العرب وضعوا الجمع المكسر : «أرجل» للكثرة كما وضعوه للقلة فهو صالح للمعنيين ، ولم يعرف لجمع : «رجل» صيغة مسموعة خاصة بالكثرة ؛ فالوضع فى المعنيين أصيل وحقيقى. ولكن صيغته فى أحداهما أكثر شيوعا منه فى الآخر. والعكس صحيح كذلك ، فقد جمعوا بعض الألفاظ لتدل على القلة ، مع أنها مصوغة على وزن بعض الصيغ الشائعة فى الكثرة. ـ كما قلنا ـ وضرب مثالا هو :. «الصّفىّ» جمع صفاة (بمعنى الصخرة الملساء وأصله : صفوى اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ، عملا بقواعد الإعلال ، وأدغمت الياء فى الياء ، فصارت صفىّ ، ثم قلبت الضمة قبل الياء كسرة ؛ لأن الكسرة هى التى تناسبها ؛ فصارت : صفىّ بياء مشددة ، ولم يشددها الناظم لضرورة الوزن).