فعند عدم القرينة تتعين القلة حتما ؛ اعتمادا على أن الصيغة موضوعة فى أصلها للقلة ، ومختصة بها ؛ فلا يجوز إبعادها إلى الكثرة بغير قرينة ؛ وإلا كان هذا إبعادا لها عن أصلها ، وإخراجا منه إلى غيره مما لا تصلح له فى حقيقة ولا مجاز ... (١)
وكما تتعين القلة عند عدم القرينة تتعين أيضا فى حالة ثانية ؛ هى أن تكون تلك الصيغة الدالة على المعدود هى من الصيغ الموضوعة للكثرة ، والعدد هو ثلاثة ، أو عشرة ، أو عدد آخر بينهما. وإنما تتعين للقلة هنا منعا للتعارض بين مدلول العدد ومدلول المعدود ، لأن كل واحد من هذه الأعداد المفردة صريح فى دلالته على القلة ، فلا يصح أن يخالفه معدوده فى مضمون هذه الدلالة ، ولا أن يعارضه. فلو كانت صيغة المعدود موضوعة فى أصلها للكثرة لكانت مع العدد المفرد للقلة.
ومن كل ما تقدم يتضح أن معنى القلة يتعين ويتحتم وحده فى صورتين : «الأولى ، ... أن تكون صيغة المعدود هى من صيغ القلة المتجردة لدلالتها الأصلية ، ولا توجد قرينة تبعدها عن هذه الدلالة ، وتخرجها منها إلى الدلالة على الكثرة و «الثانية» أن تكون الصيغة الدالة على المعدود هى إحدى الصيغ الدالة على الكثرة ، لكن العدد الخاص بها دال على القلة ، كالعدد ثلاثة ، أو عشرة ، أو أحد الأعداد التى بينهما.
وعدد الصيغ الثانية المختصة بجموع الكثرة قد يزيد على ثلاثين ، ولكن المشهور القياسىّ منها يقارب ثلاثا وعشرين صيغة. وسنعرف الكثير منها ؛ مثل : فعل ، وفواعل ، ومفاعل ، وفعالى ، وفعل ... و ... نحو : حمر ، وجواهر ، ومعابد ، وصحارى ، وكتب ...
ولاختيار نوع الصيغة الدالة على التكسير أثر آخر فى تركيب الأسلوب أحيانا ، فوق أثره المعنوى السالف ؛ ذلك أن صيغة جمع القلة يناسبها نون النسوة ، وأن صيغة جمع الكثرة يناسبها تاء التأنيث ؛ فقولنا : رأيت أذرعا امتددن ... أفضل من امتدت ـ وللوالد أياد غمرت أبناءه ... أحسن من غمرن (٢) ... وما تقدم هو الأفضل والأحسن ، ولكنه ليس واجبا.
الأمر الثانى (٣) : أن العرب قد يضعون جمعا معينا على وزن صيغة خاصة بأحد النوعين ، ولكنهم يستعملون هذا الجمع فى القلة حينا ، وفى الكثرة حينا آخر ، استعمالا حقيقيّا ، لا مجازيّا ـ والقرائن وحدها فى السياق هى التى تعينه لأحد النوعين ـ بالرغم من أن الصيغة خاصة بأحدهما فقط ، وأن وزنها يشيع استعماله عندهم فى نوع منهما
__________________
(١) إذ يشترط فى المجاز وجود القرينة التى تمنع من إرادة المعنى الأصلىّ ...
(٢) لهذا إشارة فى رقم ٢ من هامش ص ٥٧٩ أما التفصيل ففى ص ٥٢٥.
(٣) تقدم الأمر الأول فى ص ٥٧٨.