الأرجح ـ حذف الجملة الجوابية (١) إلا إن سد مسدها جملة أخرى بعدها (٢) تدل عليها ، ولا يستقيم المعنى بجعلها هى الجواب ؛ كقوله تعالى : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى ،) والأصل : وإن تجهر بالقول فإنه غنىّ عن جهرك ، فحذف الجواب الأصلى ، وسدّ مسدّه جملة : (فإنه يعلم السرّ) ، وهى جملة بعده شغلت ـ مكانه ، ولا يستقيم المعنى على اعتبارها الجواب الحقيقى ؛ لأن الجهر بالقول لا يترتب عليه أن الله يعلم السر ؛ إذ الله يعلم السرّ دائما ؛ سواء أوجد جهر بالقول أم لم يوجد (٣). ومثل هذه الآية قوله تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ... ،) والأصل : وإن يكذبوك فلا تحزن ، فقد كذبت رسل من قبلك (٤). ولا يصح أن تكون الجملة المذكورة هى الجواب ؛ لأنها ليست مترتبة على ما قبلها. وكذلك قوله تعالى : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ ... ،) فالجواب المحذوف تقديره : فليبادر للعمل الصالح.
والكوفيون لا يشترطون لحذف الجواب أن يكون فعل الشرط ماضيا ، بل
__________________
(١) لاحظ ما أشرنا اليه هنا من الرأى الكوفى ، وما سبق فى رقم ٣ من هامش ص ٤٢٣.
(٢) فهى متأخرة فى مكانها عن الجواب المحذوف ، وموضعها الأصلى بعده ، بالرغم من أنها تشغل مكانه ظاهرا ، لا حقيقة ؛ إذ مكانه خال فى الواقع. (وهى بهذا الإيضاح تعتبر صورة من صور الشرط الأول. إلا أن الصورة هنا واجبة التأخير ، وهى تسد وتغنى عن الجملة الجوابية المحذوفة. لكن كيف يصح حذف الجواب مع أن فعل الشرط مضارع ؛ كما يبدو فى الآيات التالية؟ أجابوا : «(أنه لما سد شى مسده كأنه لم يحذف)» ـ راجع حاشية الأمير على «المغنى» ، ج ٢ موضوع حذف جملة جواب الشرط ـ
(٣) والذى دعا لهذا التقدير أن أجل الله آت على كل حال ؛ فليس الجواب مترتبا على الشرط ، فهو كقوله تعالى : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ ...) ومثل قوله تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ..) فالجواب فى كل هذه الأمثلة محذوف وقد وجد ما يسد مسده ، فجاز حذفه بالرغم من أن فعل الشرط مضارع. والسبب فى اعتباره محذوفا واعتبار المذكور فى مكانه سادا مسده أن هذا المذكور ليس مترتبا على الشرط ولا مسببا عنه ؛ كما هو الشائع فى أغلب الأساليب ـ طبقا لما أوضحناه فى رقم ٦ من هامش ص ٣٩٥ ـ
أما على غير هذا الاعتبار فلا حذف والمذكور هو الجواب ؛ كما سبق تفصيله (فى الهامش المشار إليه) من أن الشرط ملزوم والجزاء لازم له ؛ سواء أكان الشرط سببا أم غير سبب. وكذلك ما قاله ابن الحاحب من أن الجزاء قسمان أوضحناهما هناك ...
ويكاد الخلاف يكون لفظيا ؛ لا تجاهه إلى مجرد التسمية ؛ أنسمى المذكور جوابا أم سادا مسد الجواب حين لا يكون مسببا عن الشرط مباشرة؟ ومما يلاحظ أن هذا الخلاف فى التسمية مقصور على الحالة التى يكون فيها فعل الشرط مضارعا بعده جملة ليست مسببة عنه مباشرة.
وسيجىء فى ص ٤٤٨ إشارة أخرى خاصة بأداة الشرط «إن».
(٤) لهذا إشارة فى الصفحة السابقة.