جوابا وجزاء للنهى مباشرة ، معتمدا فى فهم المراد وتعيينه على القرائن ؛ مثل : لا تقترب من النار تحترق ... بجزم المضارع : «تحترق» واعتبار الجملة المضارعية هى الجواب والجزاء بغير تأويل ولا تقدير (١). وقد مال بعض النحاة القدامى إلى هذا الرأى ، وإلى الأخذ به فى أنواع الطلب المختلفة (نهيا وغير نهى) ولعل الدافع لهذا الميل هو التيسير ، وأن الناس يستعملونه فلا يخفى المراد منه مع قيام القرينة الحاسمة. ولكن الرأى
__________________
(١) ويؤيد رأيه أيضا بقراءة من قرأ قوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) بجزم المضارع «تستكثر» على معنى : تظهر كثرة نعمك على غيرك ... وقوله عليه السّلام فى شجرة الثوم : (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا هذا ، يؤذنا) بجزم المضارع «يؤذ» بحذف الياء من آخره. وقول أحاد الصحابة يخاطب الرسول فى أثناء موقعة : (يا رسول الله. لا تشرف ، يصبك سهم.) بجزم المضارع «يصب». فالأفعال المضارعة فى النصوص السالفة مجزومة مع عدم استقامة المعنى بوضع «إن» الشرطية تليها «لا» النافية ، بدلا من «لا» الناهية.
أما الذين يتمسكون (بإن ، و ...) فيعربون تلك الأفعال المجزومة إعرابا آخر ؛ فيقولون : «تسنكثر» مجزومة فى جواب الطلب مباشرة ، ولكن على اعتبار أن المعنى هو : لا تمنن ؛ فيترتب على عدم المن أنك تطلب من الله كثرة النعم وزيادة الثواب ؛ فالاستكثار بهذا المعنى ليس معيبا ولا منهيا عنه. أو أن الفعل «تستكثر» مجزوما لأنه بدل من الفعل : تمنن. فالمعنى لا تمنن ... أى : لا تستكثر ما أنعمت به ... وكذلك يقولون فى المضارع .. «يؤذ» ، إنه بدل من المضارع : يقرب ، أى : لا يؤذنا ، أما المثال الأخير : (يصب) فيحكمون عليه بالشذوذ ؛ إذ لا يجدون له تأويلا سائغا.
وفيما يلى بعض أمثلة للنهى يستقيم فيها المعنى على تخيل «إن» وإحلالها مع «لا» النافية بالطريقة التى سلفت محل «لا» الناهية ، وجزم المضارع فى الجواب .. وأمثلة أخرى لا يستقيم فيها المعنى على تخيلهما.
ا ـ فمن الأولى :
لا تهمل يشتهر أمرك بالإجادة ـ إلّا تهمل يشتهر أمرك ...
لا تفش أسرار الناس تكتسب ودهم ـ إلا تفش ... تكتسب ...
لا تسرق تحترم ـ إلّا تسرق تحترم.
لا ترفع صوتك تحسن ـ إلّا ترفع صوتك تحسن.
لا تصافح المريض تسلم ـ إلّا تصافح المريض تسلم.
ب ـ ومن الثانية :
لا تهمل يخمل شأنك ـ إلّا تهمل يخمل شأنك.
لا تفش أسرار الناس تفقد ودهم ـ إلا تفش أسرار الناس تفقد ودهم.
لا تسرق تعاقب ـ إلا تسرق تعاقب.
لا ترفع صوتك يزعج السامعين ـ إلا ترفع صوتك يزعج السامعين.
لا تصافح المريض تنتقل إليك عدواه ـ إلا تصافح المريض تنتقل إليك عدواه.