وأنت تأكل ... أى : لا تقرأ فى الحالة التى تأكل فيها. أما فى غير هذه الحالة فالأمر مسكوت عنه ، لا دليل على النهى عنه أو إباحته ، فلا بد من قرينة أخرى تعين أحدهما ، وتزيل الاحتمال.
(ب) ألحق الكوفيون «ثم» العاطفة بواو المعية فى المعنى بشرط استقامة المعنى على المعيّة ، وأن يسبقها النفى أو الطلب كما يسبقان واو المعية ؛ فكلا الحرفين عندهم يؤدى العطف والمعية معا بالشرطين السالفين ؛ مستدلين بأمثلة مسموعة ، منها قوله عليه السّلام : (لا يبولنّ أحدكم فى الماء الدائم (١) ثم يغتسل منه) ؛ بنصب : «يغتسل» على اعتبار «ثم» للعطف وللمعية «معا» ، والمضارع بعدها منصوب «بأن» المضمرة وجوبا.
وقد عورض رأيهم بأنه يلزم عليه أن يصير معنى الحديث ـ فى حالة النصب ـ النهى عن الجمع بين البول فى الماء والاغتسال منه ، أى : النهى عن اجتماع الأمرين ومصاحبتهما. ويترتب على هذا أن البول فى الماء الدائم من غير اغتسال منه مباح ؛ كما هو مفهوم الكلام السابق ، مع أن هذا المفهوم مخالف للمراد من الحديث ؛ إذ المراد منه ـ كما تدل قرائن متعددة ـ النّهى المطلق عن البول فى الماء الدائم ، سواء أصحبه اغتسال أم لم يصحبه.
وشىء آخر ؛ كيف تدل «ثم» على المعية والعطف معا ومعناها فى العطف هو الترتيب والتمهل وهما ينافيان المعيّة؟ فهل المراد مطلق الاشتراك ولو بغير معيّة.؟ قال بعض المحققين يناقش الكلام السابق كله بما معناه : إن الإشكال نشأ من قول بعض النحاة : (الفعل : «يغتسل» فى الحديث السابق يجوز نصبه بإعطاء : «ثم» حكم واو الجمع ...) (٢) فوقع فى الوهم أن المراد إعطاؤها حكمها فى المعية ، مع أن أولئك النحاة لم يقصدوها. أما المفهوم والأخذ بما يقتضيه فإنما يكون حين لا يمنع منه مانع ، ولا يصد عنه دليل ، كالشأن فى هذا الحديث الشريف فإن الأخذ بمفهومه غير جائز ؛ لوجود ما يعارضه ويمنع الأخذ به ؛ وهو ثبوت النهى عن البول فى الماء الراكد مطلقا ؛ سواء أكان بعده استحمام فيه أم لم يكن.
__________________
(١) الراكد.
(٢) مراده : حكمها فى أن المضارع بعدها منصوب بأن المضمرة وجوبا.