ثالثها : ـ وهذا مهم ـ أن فاء السببية لا بد أن تقع ـ غالبا ـ فى جواب نفى أو طلب أو ملحقاتهما ... ؛ فما بعدها مسببب عما قبلها وجواب له. أما واو المعية فتقتضى مصاحبة ما قبلها وما بعدها مصاحبة حقيقية عند وقوعهما ؛ أى : تستلزم تلاقيهما واجتماعهما فى زمن واحد عند تحقق معناهما وحصوله ، وهذه المصاحبة تمنع أن يكون ما بعد الواو مسببا عما قبلها ، وجوابا له ؛ لأن المسبب والجواب لا بد أن يتأخرا ـ حتما ـ فى وجودهما عن السبب ، وعما يحتاج إلى إجابة. وهذا التأخر يناقض المصاحبة ويعارضها. ولهذا يقول النحاة : إن صحة الفهم ودقة التعبير يقضيان بتخطئة من يقول عند الإعراب (١) : (واو المعية الواقعة فى جواب النفى ، أو الأمر ، أو النهى ، أو غيرهما من بقية الأنواع السالفة ...) وبتصويب من يقول : «واو المعية» الواقعة بعد النفى أو الطلب من غير ذكر لكلمة جواب ؛ لأن وقوع الجملة المشتملة على هذه الواو جوابا عما قبلها يقتضى ـ كما تقدم ـ أن يكون تحقّق معناها متأخرا عن تحقق معنى التى قبلها ، وهذا يعارض ما تفيده واو المعية من تحقق معنى السابق عليها واللاحق فى زمن واحد.
رابعها : أنّ واو المعية ـ هنا ـ لا بد أن يسبقها نفى محض ، أو طلب ، أو ملحقاتهما ، ولا بد كذلك أن تدل على المصاحبة الزمنية الحقيقية عند تحقق معنى ما قبلها وما بعدها. وهذه المصاحبة تقتضى أن ينصبّ النفى والنهى وغيرهما من بقية الأنواع ، على ما قبل الواو وما بعدها معا ، أى : أن النفى والنهى ونظائرهما يشملان ما قبل الواو وما بعدها ، لا محالة ، ولا يقتصران على أحدهما دون الآخر (بشرط أن تكون الواو للمعية ، والمضارع بعدها منصوبا) فمن يقول لا آكل وأتكلم. بنصب «أتكلم» فإنما ينفى اجتماع الأمرين (الأكل والكلام) فى وقت واحد ؛ فالنفى مسلّط على ما قبل الواو وما بعدها مجتمعين. أما شأنهما عند عدم مصاحبتهما فمسكوت عنه ، والحكم عليه متروك ، لا دخل للنفى ـ وغيره ـ به ؛ فقد يقع الأكل وحده أو لا يقع. وقد يحصل التكلم وحده أو لا يحصل ، وقد يقع الأكل والتكلم ولكن فى وقتين مختلفين ، أولا يقعان مطلقا ... فلا يمكن القطع بأحد هذه الأشياء إلا بقرينة خارجة عن الجملة.
ومن يقول : لا أكتب وألوّث أصابعى (بنصب : «ألوّث») فإنما ينفى اجتماع
__________________
(١) على سبيل الحقيقة ، لا على ضرب من المجاز البعيد.