الصّرف) وحجته أن العرب إذا أرادوا بالواو معنى المعية والمصاحبة أتوا بالمضارع بعدها منصوبا ليصرفوه عن المألوف ؛ فيكون صرفه هذا دليلا على أنها للمعية والمصاحبة ، ومرشدا من أول الأمر إلى أنها لإفادة اجتماع أمرين فى زمن واحد ، وليست للعطف (١).
ويختلفان فى خمسة أمور :
أولها : أن نصب المضارع بعد فاء السببية متفق عليه بعد أنواع الطلب السبعة ، لورود السماع بأمثلة كثيرة لكل نوع تبيح القياس عليها. وأما الثامن (وهو «التّرجّى) فيقع فيه وحده الخلاف ، والصحيح أنه كبقية الأنواع فى وجوب نصب المضارع الواقع فى جوابه بعد فاء السببية ، وأن ناصبه هو «أن» المضمرة وجوبا.
فى حين يخالف بعض المحققين فى وقوع (الدعاء ، والعرض ، والتحضيض ، والترجى) ، قبل واو المعية موجبا للنصب ، فيمنع اعتبارها للمعية كما يمنع نصب المضارع إذا سبقه واحد من الأربعة المذكورة ؛ بحجة عدم ورود السماع بأمثلة لكل منها تكفى للقياس عليها.
ثانيها : الأصح فى فاء السببية أنها حرف عطف يفيد الترتيب والتعقيب مع دلالتها ـ فى الغالب ـ على السببية الجوابية فى الوقت نفسه. على حين يشتد الخلاف فى جعل الواو ـ هنا ـ للأمرين مجتمعين ؛ وهما : العطف والمعية ؛ إذ الرأى القوىّ أنها تفيد المعية دائما بغير أن تكون عاطفة.
__________________
(١) ومع أنها عنده للمعية وليست للعطف ـ يعتبرها إما واوا للحال ، وأكثر دخولها على الجملة الاسمية ؛ فالمصدر المؤول بعدها فى تقدير مبتدأ خبره محذوف وجوبا ، فمعنى : قم وأقوم ـ قم وقيامى ثابت. أى : قم فى حال ثبوت قيامى. وإما بمعنى : «مع» ، أى : قم مع قيامى. وذلك كما قصدوا فى المفعول معه مصاحبة الاسم للاسم ، فنصبوا ما بعد الواو. ولو جعلت الواو عاطفة للمصدر على مصدر سابق لزال التنصيص على معنى الجمع ...
وقد قامت على هذا الرأى اعتراضات كثيرة ، واجهتها ردود كثيرة أيضا. ولا حاجة بنا إلى شىء من هذه أو تلك ؛ لاعتمادهما ـ فى الغالب ـ على الجدل المجرد. وغاية ما نقوله : إن اعتبار الواو لمجرد المعية هنا يريح من العطف وما يقتضيه ـ أحيانا ـ من تصيد المصدر المعطوف عليه حين لا يكون فى الكلام السابق مصدر مذكور. ولو لا اعتبارات أخرى قوية ـ (كالتى سنذكرها فى «ب» من ص ٣٧٩) لكان هذا الرأى وحده هو المستحسن فى جميع حالات فاء السبيبة أيضا فلا نعدها حرف عطف ، طبقا للمذهب الكوفى الذى يقصرها على السببية ، ويمنع أن تكون عاطفة.