الأمرين معا فى وقت واحد ، وهما : الكتابة ، وتلويث الأصابع ، فالنفى شامل ما قبل واو المعية وما بعدها مجتمعين ، يسلّط عليهما فى زمن اصطحابهما وتلاقيهما ، ولا ينصبّ على أحدهما دون الآخر. أما المعنى عند عدم اصطحابهما فمسكوت عنه ، متروك حكمه ، لا صلة للنفى به ، فقد تكون الكتابة وحدها منفية أو غير منفية ، وقد يكون تلوّث الأصابع وحده حاصلا أو غير حاصل ... وقد يكون الاثنان غير حاصلين ، وقد يحصلان فى زمنين مختلفين ... فكل هذه أمور يعرض لها الاحتمال ، ولا سبيل للقطع بأحدها إلا بقرينة أخرى.
وكذلك من يقول : لا تمش وتكتب ... ـ أو : لا تخطب وتجلس .... أو : لا تظلم الضعيف وتخاف القوىّ ... بنصب المضارع بعد الواو المسبوقة بالنهى فى هذه الأمثلة وأشباهها ـ فإن النهى فيها مسلط على ما قبل الواو وما بعدها مجتمعين فى وقت واحد ، ولا ينصبّ على أحدهما دون الآخر ، فكلاهما وحده مسكوت عنه ، مهمل أمره ؛ لا دليل للقطع بأنه منهى عنه وحده أو غير منهى عنه ، ولا منهى عنه مع الآخر فى زمنين مختلفين ... فالقطع بأحد هذه الأمور متوقف على قرينة خارجة عن الجملة ؛ توجّه لأحدها دون الآخر.
أما النفى والنهى قبل فاء السببية فقد يسلطان على ما قبلها وما بعدها معا ، أو على ثانيهما فقط ـ كما سلف (١).
هذا ، وما قيل عن النفى والنهى يقال فى ملحقات النفى وفى سائر أنواع الطلب بنوعيه ؛ حيث يسرى ـ فى وقت واحد ـ على ما قبل الواو وما بعدها معنى النفى أو الطلب ، ويشملهما هذا المعنى مصطحبين مجتمعين فى زمن واحد (٢) ...
__________________
(١) فى ص ٣٣٨.
(٢) فى الكلام على «واو المعية» يكتفى ابن مالك ببيت واحد ؛ هو :
والواو كالفا ، إن تفدا مفهوم مع |
|
كلا تكن جلدا ، وتظهر الجزع ـ ٣ |
يريد أن «الواو» كفاء السببية فى كثير من الأحكام ـ وفى مقدمتها وقوعها بعد النفى وما ألحق به ، وبعد الطلب بنوعيه ـ مع نصب المضارع بعدها بأن المضمرة وجوبا ، وعطف المصدر المؤول بعدها على مصدر قبلها ... وقد اشترطوا فى هذه الواو أن تكون بمعنى «مع» أى : دالة على المعية ، ومصاحبة معنى ما قبلها وما بعدها فى زمن وقوع النهى ـ وغيره ـ وتحققه. وساق مثالا معناه : لا تكن جلدا فى وقت إظهار الجزع. وفى المثال عيب معنوى ؛ إذ كيف يكون جلدا مع إظهاره الجزع.